دودة الكمبيوتر «ستاكسنت» التي عاثت تخريباً في العام الماضي في مركز الطرد المركزي للغاز التابع للبرنامج النووي الإيراني، هي سلاح قوي في العصر الجديد للحرب المعلوماتية. ويبدو أن رمز حاسوب لا يزيد حجمه عن نصف ميغابايت، أنجز ما فشلت قرارات مجلس الأمن في إنجازه طوال نصف عقد. لصيغة الحرب الجديدة هذه تأثيرات عدة بدأت تظهر لتوها، وستحدد الشكل الذي سيتخذه سباق التسلح المقبل الذي سيقاس برموز الكمبيوتر وليس بالقوة النارية. وسلط الهجوم ب «ستاكسنت» الضوء على الحدود غير الواضحة للسيادة في الفضاء الافتراضي. وسيؤدي تعزيز الأمن الوطني في عصر المعلومات، من حين إلى آخر، الى التسبب بهجمات غير متوقعة على حقوق ومصالح أناس وشركات وبلدان بريئة. هاجم «ستاكسنت» البرنامج النووي الايراني، وفعل ذلك بتحكم خبيث بمنتجات البرمجيات التجارية التي تباع عالمياً من قبل الشركات الغربية الكبرى. وبصرف النظر عن اسم الجهة التي شنت الهجوم، فقد أثرت كذلك على آلاف أجهزة الكمبيوتر في بلدان عدة، بما فيها استراليا وبريطانيا واندونيسيا والولاياتالمتحدة. النوع هذا من الأضرار الجانبية في المجال المدني العالمي سيصبح القاعدة وليس الاستثناء، وستكون الاقتصادات المتقدمة المعتمدة أكثر من غيرها على أنظمة المعلومات المتطورة، معرَّضة لخطر شديد. وستزيد حرب المعلومات الدفاعية والهجومية تعقيد العلاقات بين الصناعة والجيش، فالخبرة اللازمة لصد هجوم معلوماتي لا تختلف كثيراً عن تلك اللازمة لشن هجوم مماثل. ويعتقد ان مبرمجي «ستاكسنت» استغلوا معلومات خاصة قدمتها طوعاً الى الحكومة الاميركية شركة «سيمنس» الألمانية التي تصنع برامج المعلومات والسيطرة المستخدمة في المنشآت النووية، بما فيها تلك الإيرانية. وأقدمت «سيمنس» على ذلك لمساعدة واشنطن لتعزيز قدرتها على صد الهجمات المعلوماتية. هل ستتردد «سيمنس» وغيرها من الشركات عندما تطلب الحكومة الاميركية المساعدة في المرة المقبلة؟ ربما. وسواء كان الأمر حقيقياً أم لم يكن، وبمقدار ما يعني بقية العالم، تمارس الولاياتالمتحدة حالياً الحرب المعلوماتية الهجومية، الى جانب الصين وروسيا وإسرائيل من بين دول أخرى. ولا يصعب على التخيل، عندها، تشظي الصناعة المعلوماتية العالمية الى معسكرات عدة، وفقاً للرغبة في التعاون مع الحكومات في المسائل الأمنية. ويمكننا رؤية ذلك يحصل في صناعة الاتصالات حيث تروج الشركات لقدرة منتجاتها على مقاومة تدخل الحكومات. وفي الوقت ذاته، قد ترى شركات أخرى ميزات مهمة في التعاون مع الحكومة. وأثار «ستاكسنت» ايضاً اسئلة قانونية عويصة، وقد تكون غير قابلة للحل، ففي الوقت الحالي لا يوجد اطار قانوني لمقاضاة الهجمات المعلوماتية الدولية، وحتى لو نجح الضحايا في تحديد المسؤول، فإن حكومات البلدان التي ينتمي الضحايا اليها لا تمتلك خيارات تذكر خارج إطار الاحتجاجات الدبلوماسية، وربما الرد على الهجمات بمثلها. ولا يوجد كيان دولي شرَّع أو وضع أسساً قانونية لهدنة في مجال حرب المعلوماتية، وذلك خيار غير مقنع على أي حال. ثمة سؤال مشابه يتعلق بالولاياتالمتحدة، فالقانون الاميركي يعتبر في العديد من الحالات، أن نقل وبث رمز خبيث اعتداء إجرامي. وينطوي هذا الموقف على معنى اذا أخذ في الاعتبار اعتماد الاقتصاد على شبكات المعلومات وحساسية المعلومات المخرنة إلكترونياً والمخاطر الماثلة من التعرض لهجمات الفيروسات والديدان وغيرها من انواع البرمجيات السيئة. بيد أن الرئيس، بصفته القائد الاعلى، يملك بعض السلطات لشن حرب معلوماتية ضد الاعداء الاجانب. وعلى غرار العديد من السلطات الرئاسية المتوفرة لشن الحرب وممارسة التجسس، لم يَجْرِ ابداً حصرُ سلطاته. والغموض هذا في حدود السلطة يبدو اشكالياً، لأن السيطرة على حرب من النوع هذا تقل كثيراً عن قدرة السيطرة على العمليات العسكرية والاستخبارية التقليدية وتثير مسائل شديدة التعقيد في شأن الملكية الخاصة والخصوصية الشخصية والنزاهة التجارية. لذا، وقبل ان تجبر محاكمنا على النظر في قضايا حدود السلطة التنفيذية، على غرار ما جرى بعدما صادر الرئيس هاري ترومان مصانع الصلب في بداية الخمسينات، يتعين على الكونغرس ان يمنح البيت الابيض صلاحيات واسعة لشن الحرب المعلوماتية. وبمنح الصلاحية الواضحة لشن تلك العمليات الهجومية وفق ظروف محددة، سيظهر نموذج معين يعزز سلطة الرئيس في مجال الدفاع في الفضاء الافتراضي. لن تجيب خطوات كهذه على كل الاسئلة التي تطرحها المرحلة الجديدة من الحرب. بيد أن أمراً واحداً بات مؤكداً: مهما كان سباق التسلح هذا سيئاً، ستكون الخسارة فيه أسوأ بعد. * مدير في مجموعة «تشيرتوف» الاستثمارية، ونائب سابق لمفوض شرطة نيويورك لمكافحة الإرهاب، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 26/1/2011، إعداد حسام عيتاني