ينصبُّ القلق العالميّ حيال البرنامج النووي الإيراني في مُجمله على خطر الانتشار الذي يشكله في المنطقة. غير أنّ، وعلى رغم تعدُّد المشاريع الإيرانيّة الهادفة إلى تأمين الطاقة النوويّة لغاياتٍ مدنيّة بحتة، كمفاعل بوشهر الروسي الصُّنع مثلاً، فإنّ مُعظم الأدلّة تشير إلى سعي إيران إلى امتلاك القدرة على تصنيع الأسلحة النوويّة. لذا، فالدول المجاورة لإيران والمواطنون الإيرانيّون أنفسهم يملكون الأسباب الكافية للتوجُّس من الخطر الذي يُشكّله البرنامج النووي على السّلامة العامة. وحتّى الساعة، لم يتمّ ربطُ هذه المخاوف بأيّ مفاعل سوى ذلك الموجود في بوشهر. والثمن الذي قد تضطرّ الدول المُجاورة لإيران إلى دفعه في حال تعرُّض المفاعل المذكور لحادثةٍ ما سيكون باهظاً، على حدّ تعبير الباحث الاستراتيجي الدكتور سامي الفرج، رئيس المعهد الكويتي للدراسات الاستراتيجيّة. لكنّ إيران تمتلك مفاعلاً أصغر حجماً من مفاعل بوشهر، ورد ذكره في الأنباء، وهو مفاعل طهران للبحوث، الذي زوّدتها به الولاياتالمتحدة الأميركيّة في الستّينات، والذي يُثير قلقاً عارماً فيما يتعلّق في شأني الصحّة والسلامة. وترغب إيران في استخدام هذا المفاعل لإنتاج الأشعّة الطبيّة. غير أنّ مفاعل طهران على وشك النفاد من الوقود الذي لا يتمّ تحصيله إلا من خلال تخصيب اليورانيوم بنسبة 19.75 في المئة. وقد منح فشل المفاوضات حول تجارة الوقود البديل في أواخر 2009 إيران ذريعةً كي تُنتج وحدها 19.75 في المئة من اليورانيوم المُخصّب. لقد ناقش الملفّ الذي أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيّة منذ فترة وجيزة حول «قدرات إيران النوويّة والكيميائيّة والبيولوجيّة» أهميّة الانعكاسات العسكريّة لهذا التخصيب الذي يساعد إيران على تحصيل المواد الانشطاريّة المُستخدمة في صناعة الأسلحة. علاوةً على خطر الانتشار النووي الذي يشكّله تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 20 في المئة، فإنّ التبريرات التي تُقدّمها إيران مُلتبسة وتُمثّل خطرين أساسيّين على السلامة العامّة: أوّلاً، من المنطقي أن نتساءل حول ضرورة الإبقاء على أعمال مفاعل طهران للبحوث. فقد أفادت إيران منذ حوالى ثمانية أعوام، بأنّ هذا المفاعل شارف على تخطّي حدود السلامة التي صُمّم من أجلها. ثمّ إنّ هذا الخطر آخذ في التضاعف بفعلِ مُجاورة المفاعل لمناطق سكنيّة. فقد تمّ تشييده على مشارف طهران، قبل أنّ تتضخُّم المدينة وتتسبّب في إحاطته بالبيوت الآهلة. ثانياً، لا يُمكن إيران أن تُنتج وقود اليورانيوم معتمدةً على قدرتها الذاتيّة فقط. وحتّى لو تمكّنت من صناعة الوقود عبر تخصيب اليورانيوم بنسبة 19.75 في المئة، فإنّها ستحتاج إلى اختبار معايير السلامة النموذجيّة لفترة طويلة، قبل أن يتُمّ استخدامها في شكل آمن. وإلى أن تُفلح إيران فعليّاً في إنتاج الوقود، قد تنضب قوّة مفاعل طهران للبحوث، وبالتالي فقد يتعذّر القيام بالاختبارات الضروريّة. بطريقة أو بأخرى إذاً، ستحتاج إيران إلى مساعدة خارجيّة لاختبار الوقود، إلا إذا عزمت على استخدامه بطريقة غير آمنة. هنالك مفاعل آخر للبحوث يتمّ حاليّاً إنشاؤه في آراك. وهو يُشكّل مصدراً إضافيّاً من مصادر القلق على صعيدَي السلامة وخطر الانتشار النووي. فأهداف هذا المفاعل ذو ال40 ميغاواط (الحراريّة) مدنيّة. لكنّه مماثلٌ من حيث الحجم والنوع للمفاعلات المستخدمة في الهند وإسرائيل وباكستان في تصنيع البلوتونيوم الخاص بالأسلحة. غير أنّ خطر الانتشار الناجم عن مفاعل آراك لا يزال على بعد سنوات. ويعود هذا التأجيل جزئيّاً إلى فشل إيران في إنتاج أو تحصيل المُكوّنات المعدنيّة الضخمة، كإناء الضّغط الذي لا يجوز تلحيمه عند تكويره حتّى يتمكّن من حفظ الحرارة والأشعّة داخل المفاعل. وفي حال استخدمت إيران مُكوّنات محليّة رديئة في مفاعل آراك، فإنّ ذلك سيُشكّل خطراً على السلامة العامة. أمّا الأمر الذي يزيد سوءاً عن المخاطر المذكورة أعلاه والمرتبطة بالمشاريع الحاليّة، فهو حجم الأخطار التي يشكّلها على كُلّ من البيئة والصحّة الإنسانيّة، مضيّ إيران قدماً في مشروع إنشاء مفاعل للقوّة خاص بها في دارخوفين، شمال رأس الخليج. ومن المقرّر أن يكون هذا المفاعل بثلث حجم مفاعل بوشهر. لكنّه، على رغم ذلك، سيظلّ أضخم بكثير من مفاعِلَي البحوث في طهران وآراك. لم يسبق لإيران أن انفردت من قبل في بناء مفاعل نووي، ومع ذلك فتصميم وإنشاء مفاعل دارخوفين منوط بها وحدها. ونظراً إلى سجلّها الحافل بالانتهاكات لضمانات الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة ولوصايا الأمم المُتّحدة ومجلس الأمن، لا تستطيع إيران أن تتعاقد مع شركاء دوليين من أجل بناء مفاعل دارخوفين أو استيراد المكوّنات اللازمة له. ولو حاولت إيران بناء وعاءٍ للمفاعل من دون طلب العون الخارجي، فستُعرّض نفسها لخطر التسريب أو حتّى الانفجار. إنّ عزوف إيران عن تزويد الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة مُسبقاً بمعلومات حول تصميم مفاعل دارخوفين أو أيّة مُنشأة نوويّة أخرى هو مصدر آخر من مصادر القلق. فقد كان من المتوقّع أن يدخل مفاعل دارخوفين حيّز التشغيل مع حلول عام 2015. غير أنّ الحظّ أسعف جيران إيران، إذ لن تتمكّن من الالتزام بجدولها الزمني. في الغضون ذلك، لا تزال دولة الإمارات ماضيةً بمساعدة أجنبيّة في بناء أربعة مفاعلات نوويّة ضخمة. وذلك عبر استخدامها التكنولوجيا المتطوّرة والتزامها بالشفافيّة الكاملة وبالمعايير الدولية للسّلامة والأمن. من هنا، فالفرق شاسع بين مشروع الإمارات النووي وذلك المُعتمد من قبل إيران. غير أنّ إيران تستطيع أن تستفيد من التعاون الدولي في مجال التكنولوجيا النوويّة لو أقدمت على كسر عزلتها وتخلّت عن نواياها التسليحيّة. * باحث في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيّة» - لندن.