الحلّ الأمثل لمصر هو أن يرحل حسني مبارك وتنشأ الديموقراطيّة. الحلّ الأسوأ هو أن تسود الفوضى أو أن يحكم الإسلاميّون أو أن تقوم ديكتاتوريّة عسكريّة. الحلّ الأمثل ذاك لا يبدو وارداً على رغم الجهود الجبّارة التي بذلها شعب مصر وشبّانها، وعلى رغم نجاحهم في كسب العالم سواء برأيه العامّ أو بحكوماته. أسباب ذلك كثيرة في عدادها أنّ في وسع ال «فايسبوك» وال «تويتر» إسقاط وضع قائم لكنْ ليس في وسعهما إنهاض وضع جديد. هنا، لا بدّ من السياسة والقيادة السياسيّة، لكنّ الأولى ظلّت ضعيفة في الانتفاضة فيما الثانية لم تتشكّل أصلاً. إلى ذلك أبدت الدولة المصريّة، أو بالأحرى السلطة، قوّة لم تملك مثلها السلطة التونسيّة، فيما أبدى المجتمع التونسيّ، الأقرب إلى النموذج الغربيّ، قوّة وتماسكاً لم يملك مثلهما المجتمع المصريّ. هكذا استطاع الأوّل أن يجرّ الجيش وراءه فيما عجز الأخير عن إنجاز مهمّة كتلك. بالنتيجة نشأ وضع تعادليّ وشالّ يبدو الحسم فيه صعباً على الطرفين. بيد أنّ الحلّ الذي يُناقش هو، في حال اكتماله، الأقرب إلى الحلّ الأمثل، أو أنّه، على الأقلّ، بعيد جدّاً عن الحلول الأسوأ. والاكتمال، هنا، يعني شيئاً محدّداً هو الحصول على ضمانات مكتوبة من نائب الرئيس عمر سليمان في صدد التنازلات التي حُمل مبارك وسلطته على تقديمها، وفي رأسها أنّ «الريّس» لن يترشّح ولن يمدّد مرّة أخرى. في هذه الحدود، ولإنجاز هذا الهدف، ينبغي توظيف الضغط أتجسّد في أيام مليونيّة أو في المقاطعة للحوار أو التهديد بها. فالضغط في سبيل الضمانات مطلوب وممكن وعمليّ، والتنازلات المباركيّة السابقة تحمل على افتراض ذلك. أمّا الضغط في سبيل بلوغ الحلّ الأمثل، دفعة واحدة ومرّة واحدة، فخطر على الانتفاضة، بل خطر على مصر نفسها. ذاك أنّ مروحة الاحتمالات، والحال هذه، تتراوح بين تجميد البلد الذي سيعمل على تنفير قطاعات متعاظمة من السكّان من الانتفاضة، وبين العنف المفتوح. وربّما كان وضع كهذا مقدّمة لحلّ بونابرتيّ، يتّخذ شكل تجديد الديكتاتوريّة العسكريّة وتعزيزها بأنياب أقوى. ثمّ إنّ مثل هذا الضغط، الذي يتعدّى طلب الضمانات، يشرع الانتفاضة على أمرين ليسا في مصلحتها: من جهة، القفز من مقعد الاستبدال الشرعيّ للشرعيّة القائمة إلى مقعد الخروج من كلّ شرعيّة وعليها. ومن جهة أخرى، خسارة التأييد الدوليّ الذي بات يُجمع في إلحاحه على التغيير بقدر ما يُجمع على سلاسته وسلميّته. وإلى هاتين النتيجتين ستتعرّض الانتفاضة لتفتّت مؤكّد بحيث يتحوّل التباين الراهن بين أطرافها إلى تناقض صارخ. قصارى القول إنّ خطرين متقابلين يتهدّدان الانتفاضة المصريّة اليوم: التخلّي عن الضغط قبل النجاح في انتزاع الضمانات، ودفع الضغط بعيداً عبر ربطه بهدف الرحيل الفوريّ لحسني مبارك. والسير على حدّ السيف صعب بالتأكيد، لكنْ من قال إنّ الصعوبات لا تلازم انتفاضات آلت على نفسها تغيير ستين سنة من حياة بلد غدا يضمّ ثمانين مليوناً؟