حققت ثورة الشباب في مصر مكاسب متلاحقة منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، لعل أبرزها إسقاط مشروعي التمديد للرئيس مبارك والتوريث لنجله جمال، وفتح المجال أمام المستقلين للترشح على رئاسة الجمهورية، وتعيين نائب للرئيس، وسقوط شخصيات تثير الاستياء الشعبي، وتخفيف قبضة الحزب الحاكم على السلطة، وإقالة الحكومة، وكسر حاجز الخوف تجاه النظام، والتحقيق مع بعض رموز الفساد والقمع، ومنهم رجل الأعمال أحمد عز ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي. ويعتبر القيادي في «حركة 6 أبريل» أحمد ماهر أن «25 كانون الثاني (يناير) كان يوماً فاصلاً في تاريخ البلاد»، مشيراً إلى أن الثورة، التي يعود الفضل الأول في اندلاع شرارتها إلى ناشطي حركته «أعلنت مولد حقبة جديدة لا استبداد فيها أو قمع أو خنوع، بل حرية وكرامة». وتساءل: «من كان يتخيل قبل هذا اليوم أن الرئيس مبارك سيخرج إلى الناس، ويعلن أنه لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل ويعين له نائباً ويدعو إلى تنفيذ أحكام القضاء ببطلان عضوية نواب؟». وعلى رغم أن المكاسب التي حققتها «الانتفاضة الشعبية» لطالما ظلت قوى المعارضة في مصر تدعو إلى تحقيقها من دون أن تجد آذاناً صاغية في النظام، فإن ماهر لا يرى في ما تحقق أمراً كافياً، «فسقوط رأس النظام هو غاية الانتفاضة». ويقول ل «الحياة»: «من الضروري أن يتحمل المتسبب في ما عانته مصر من فساد واستبداد المسؤولية ويرضخ إلى مطالب الشعب». وتساءل: «من كان يعين الحكومة؟ ومن كان يغض الطرف عن فساد رجال الأعمال وقمع الشرطة للمعارضين؟». وعلى رغم محاولات الحكومة مد جسور الثقة مع الشارع وتخفيف حدة الغضب، يرى ماهر أن «الثقة مفقودة». ويقول: «نعم ما تحقق مكسب بلا شك، لكنه غير كاف». أما مؤسس «حزب الغد» المعارض أيمن نور، فيرى أن «أفضل المكاسب التي حققتها الثورة المصرية تتمثل في كسر حاجز الخوف لدى المصريين، وبث الثقة في نفوسهم»، مشيراً إلى أن «هناك مكاسب أخرى منها اعتراف الرئيس والحزب الوطني بتزوير الانتخابات، والتعهد بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ببطلانها، وإعلان مبارك عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، والتعهد بتعديل الدستور بما يسمح بتوسيع دائرة الترشح للانتخابات الرئاسة». لكن نور يرى أن «ما حدث لم يعد مفيداً، فالشعب يريد إسقاط النظام». ويقول ل «الحياة»: «لو كان مبارك اتخذ تلك الإجراءات قبل يوم 25 كانون الثاني (يناير) لخرجت الناس تصفق له وتشيد بإنجازه التاريخي، أما الآن فالشارع لن يهدأ من دون خروج مبارك نفسه». وفي المقابل، «يبدو أن معاناة الشارع جراء تفشي الفساد واحتكار السلع والخدمات الرئيسية في يد حفنة من رجال الأعمال، والارتفاع غير المسبوق للأسعار، والمساعي التي كانت تتخذها الحكومة للالتفاف على الدعم ومحاوله تقليصه راحت إلى زوال». وجاء خطاب مبارك الأول في أعقاب اشتداد الثورة في «جمعة الغضب» في هذا السياق، إذ أعلن إقالة حكومة أحمد نظيف، واستمرار الدعم بأشكاله كافة، فيما جاءت إجراءات لاحقة لمنع وزراء ورجال أعمال من السفر وتجميد أرصدتهم حتى الانتهاء من تحقيقات فتحتها النيابة العامة. ويؤكد القيادي في «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد البلتاجي أن «فك الارتباط بين رأس المال والسلطة في مصر، وإقصاء رجال الأعمال من الحكومة مكاسب رائعة طالما نادت بها القوى السياسية المختلفة»، مشيراً إلى أن «هناك جملة من المكاسب الأخرى منها إعلان تجميد الحسابات المصرفية لمجموعة من رموز الحزب الوطني والوزراء... إضافة إلى استقالة الهيئة العليا للحزب الوطني مما يعجل بتفكيكه، وإخراجه من السلطة تماماً».