بدأت دول عربية تتجه إلى تطوير عقارات لإنشاء مشاريع تتوجه تحديداً إلى الصناعات الخفيفة والتخزين، بعيداً من قطاع العقارات التجارية والسكنية، التي تأثرت من تداعيات أزمة المال العالمية، ما تراه دبي فرصة سانحة لتصدير خبراتها في إنشاء مناطق صناعية إلى الدول العربية الساعية الى استقطاب استثمارات محلية وعالمية نحو قطاع الصناعة والخدمات اللوجيستية. وتوقع عاملون في القطاع الصناعي، أن يشهد القطاع تطوراً كبيراً في المنطقة في السنوات الخمس المقبلة، لا سيما بعد تشبع المجالات الاقتصادية الأخرى، كالعقارات وأسواق المال، وتعلّم المستثمرين من درس أزمة المال، إذ رجحوا أن تتجاوز الاستثمارات الصناعية الخليجية تريليون دولار بحلول عام 2020. وأشارت البيانات إلى أن عدد المصانع في منطقة الخليج «تفوق 12 ألفاً، تقدر استثماراتها بأكثر من 150 بليون دولار». ويزيد اهتمام دول المنطقة بقطاعات التجارة والصناعة كبديل متاح لتنويع بنية الاقتصاد الإقليمي بعيداً من هيمنة النفط والغاز، بعدما وجد خبراء القطاع ضرورة «التوجه إلى قطاعات أوسع لتحقيق التوازن في تنويع الاقتصاد، خصوصاً القطاع الصناعي الذي اثبت صموده في وجه أزمة المال». وأشار التقرير الصناعي العربي، إلى أن صناعات النسيج والمنتجات الكهربائية والالكترونية «أظهرت صموداً قوياً في مواجهة تحديات الأزمة، في ضوء انخفاض طفيف في صادراتها مقارنة بصناعات التعدين والثقيلة، في حين تباين مستوى تراجع الصادرات بوضوح تبعاً لنوعية الصناعة، إذ شهدت الصادرات الصناعية في الأردن خلال عام 2009 تراجعاً في صادرات الفوسفات بنسبة 29 في المئة والبوتاس 42 في المئة، فيما لم يتجاوز الانخفاض في تصدير المنسوجات 18 في المئة والآلات الكهربائية والميكانيكية 14 في المئة، والمنتجات الصيدلانيه 5 في المئة. وفي مصر، ارتفعت صادرات المنسوجات 21 في المئة، في حين تقلّصت صادرات صناعات الحديد والصلب 34 في المئة. وأكدت دراسة حديثة لمؤسسة «جونز لانغ لاسال»، أن قطاع الصناعات الخفيفة واللوجستية، سيكون من افضل القطاعات نمواً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات المقبلة، ما «يؤمن للاستثمار والتطوير العقاري نمواً يعوضه جزئياً عن تراجع الطلب على المساكن والمكاتب، في ظل سعي الحكومات إلى تطوير الصناعة مستفيدة من تقدم البنية التحتية في دول كثيرة في المنطقة، خصوصاً على صعيد المطارات والموانئ والطرق والجسور التي تؤمن تدفقاً سلساً للصادرات الصناعية». ولا يستبعد مسؤولون في إمارة دبي، أن تصبح الصناعة القاطرة التي تقود اقتصادات المنطقة في المرحلة المقبلة، في مقدمها البتروكيماويات والإسمنت والصناعات المعدنية وتحديداً الألومنيوم، في حين تستحوذ الصناعات الغذائية على الحصة الأكبر، باعتبار أن القطاع هو السبيل الأمثل لتنويع مصادر الدخل، بدلاً من الاعتماد على سلعة واحدة قابلة للنضوب (النفط)، فهو قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تقليص الاعتماد على الاستيراد من الخارج، ما يعني توطين الأموال والاحتفاظ بالعملة الصعبة. وتراهن إمارة دبي على نجاحها في إنشاء المناطق الصناعية، للمساهمة في تطوير مناطق متكاملة في دول عربية أخرى، إذ تمكنت في السنوات الماضية من تطوير 12 منطقة، تبلغ مساحتها نحو 65 مليون متر مربع من ضمنها المناطق الحرة في جبل علي ومطار دبي بمساحة اجمالية 27.5 مليون متر مربع. وترى دبي أن تطوير المناطق الصناعيه لم يعد مقتصراً على القطاع الحكومي في المنطقة، إذ شهد العقدان الأخيران دخول القطاع الخاص للاستثمار الناشط في هذا المجال. وتعد تجربة «مجمع دبي للاستثمار» نموذجاً لنجاح القطاع الخاص في تطوير المناطق الصناعية المتكاملة، التي تشمل الاستثمارات فيها إلى جانب الصناعة والتخزين، مناطق سكنية وتجارية وسياحية داخل المجمع. ولفت المدير العام ل «مجمع دبي للاستثمار» عمر المسمار في حديث إلى «الحياة»، إلى أن مستثمري المجمع يتوزعون بواقع 1236 مستثمراً رئيساً استأجروا الأراضي مباشرة من المجمع، من ضمنهم 348 في قطاع المخازن و305 مصانع و231 مسكناً للعمال و113 في القطاع التجاري و81 في قطاع السكن، إضافة إلى 1349 مستثمراً ثانوياً بالاستئجار غير المباشر للأراضي، من ضمنهم 434 في قطاع التخزين و367 لمساكن العمال و245 للسكن. واستثمر القيمون على المجمع، ما يزيد على بليوني درهم لتطوير البنية التحتية على مساحة 2300 هكتار، أُجّر 1700 هكتار منها بالفعل مع 62.4 كيلومتر مربع من الطرق الحديثة، و70 كيلومتراً مربعاً لشبكة مياه الري و الإطفاء، فضلاً عن شبكة متطورة للصرف الصحي ومعالجة المياه وشبكة اتصالات حديثة. ونجح المجمع في استقطاب استثمارات تصل إلى 70 بليون درهم، من خلال 2585 مستثمراً رئيساً وثانوياً، طوروا مشاريع في المجمع، إذ يؤمن نظام تأجير الأراضي في المجمع بالعقود الطويلة الأجل على فترات تتراوح بين 30 و 90 سنة للشركة دخلاً ثابتاً، فضلاً عن المكاسب المحققة من ارتفاع قيمة أصول الشركة في المجمع نتيجة عمليات التطوير المستمرة.