لكل زعيم هواية يمارسها وقت فراغه الذي قد يطول أو يقصر بحسب ظروفه وظروف بلده، ولكنها في النهاية تعكس شخصيته أو طريقته في التفكير أو أسلوبه في التعاطي مع الأزمات. في مصر كان الرئيس جمال عبد الناصر يلعب الشطرنج، فكان عقله دائماً في حالة نشاط خصوصاً أن فترة حكمه شهدت تحديات داخلية وخارجية ومحكات احتاجت شخصاً يملك قدرات خاصة في التفكير في حلول أو طرق للمناورة أو التحدي، أما الرئيس أنور السادات فاشتهر عنه ولعه بلعب الدومينو، تلك اللعبة التي تحتاج إلى 28 قطعة كل منها مقسمة إلى جزءين تمثلان الأرقام، وبقدر ما تحتاج إلى عقل يفكر، فإنها أيضاً تحتاج إلى دهاء ليُحكم اللاعب التضييق على منافسه أو محاصرته وتعجيزه عن أن يكمل التنافس معه، كما أن اللاعب يستطيع، وفقاً للتعبير المصري، بحركة واحدة أن «يفركش» المباراة، إذا رأى أنه في وضع يصعب عليه التصرف فيضع منافسه، وحتى من يتابعون المباراة، في مواقف تجعلهم ينشغلون عنه. والذين عاصروا عهد السادات رأوا كيف كان الرجل يبتكر دائماً ما يشغل به الناس ليريح نفسه حتى يحل مشاكله ويتخطى المواقف الصعبة. كما كان السادات موهوباً في اختراع أسماء أو صفات أو تعبيرات تجعل الناس دائماً يفكرون فيها حين يكون هو يدير الأمر بعيداً من الأنظار، فهذا «عام الضباب» وتلك «الديموقراطية ذات الأنياب» وهذا «الرئيس المؤمن» وتلك «دولة العلم والإيمان» وهذا «قانون العيب» وتلك «انتفاضة الحرامية». ومنذ انتفاضة 25 كانون الثاني (يناير) وما جرى بعدها ظل الناس يسألون: كيف يفكر الرئيس حسني مبارك وكيف ستكون ردوده على الأفعال وما يجري في الشارع وفي العالم؟ وما هي القرارات التي سيتخذها أو الإجراءات التي سيقدم عليها؟ ولماذا دائماً يأتي التصرف متأخراً؟ وكيف وضع نفسه في مواقف رد الفعل دون الفعل؟ ولماذا كلما اتخذ خطوة يتبين أنها في الاتجاه الخاطئ أو التوقيت الخاطئ ولا تحل المعضلة أو تنهي الأزمة؟ عُرف عن مبارك ولعه بلعبة الاسكواش وممارسته لها طوال حياته العسكرية وحتى بعدما تقلد منصب نائب الرئيس ثم الرئيس، وضمن نفاق أجهزة الدولة للرئيس أظهرت الدولة اهتماماً باللعبة وتعددت أنشطتها ومسابقاتها إلى درجة أن لاعبين مصريين حققوا تفوقاً عالمياً فيها. وظهر مبارك في بعض المناسبات يلعب الاسكواش حتى بعد تقدمه في السن، واحتفت الصحف القومية بالطبع بوقائع كتلك واستغلتها للترويج لمبارك وبساطته ولياقته البدنية والذهنية! والإيحاء بأن «الرئيس» قادر على ممارسة مهماته الآن وفي المستقبل. تُمارس اللعبة في ملعب مغلق، وتستلزم جهداً عنيفاً يبذله اللاعب في مساحة لا تزيد على 70 متراً مربعاً وفيها يضرب اللاعب الكرة بالحائط شرط أن يكون على بعد 43.2 سنتيمتراً من الأرض لترتد إلى خصمه الذي عليه أيضاً أن يضربها قبل أن تلمس أياً من جوانب الملعب أو أرضه مرتين. في الاسكواش لا يواجه اللاعب خصمه بشكل مباشر، فهو يلعب بالأساس مع الحائط وعلاقته تكون بالجدران والأرض، والمهم كيف يلعب الكرة بغض النظر عن رد فعل الخصم، وطالما بقيت لياقته البدنية والذهنية حاضرة فإنه يقدر دائماً امتصاص صدمة الكرة مهما كانت قوة منافسه. تعامل مبارك مع الثورة بطريقة «لاعب الاسكواش» من دون أن يدرك أنها ثورة وليست مجرد تظاهرات فئوية لموظفي الضرائب العقارية أو عمال المحلة أو المطالبين بكادر للمعلمين أو المحتجين على أوضاع الصحافيين أو المحامين، أو أعضاء ينددون بالخصخصة أو المنادين بالإصلاح. كان أسلوب الاسكواش صالحاً له بالطبع وليس لشعبه، حين بقيت هذه الفئات تحتج من دون أن تجتمع في وقت ومكان واحد، وحين بدا أن الثورة تجاوزت حدود اللعب إلى الجد احتفظ مبارك بأسلوبه، وواجه مئات آلاف المحتجين بوزير داخليته العادلي ضارباً الثوار بقوة، وكأنه يضرب كرة الاسكواش من دون أن يدرك أن لكل فعل رد فعل، وأن منطق البطش والعنف ضد المحتجين سيزيد من قوتهم ورد فعلهم وإصرارهم على أن يكملوا ما بدأوه بل ويطوروا مطالبهم من مجرد إعلان الاحتجاج إلى المطالبة بإنهاء المباراة، ليس فقط لأن أسلوبه في اللعب طوال 30 سنة لم يعجبهم، وإنما أضر بهم، خصوصاً في سنوات حكمه الأخيرة، بعدما ظهر وكأنه يلعب لنفسه أو من حوله من أعضاء جهازه الفني، حين كان الجمهور يدرك فساد ذلك الجهاز فصار اللاعب في وادٍ مع جهازه، والجمهور في وادٍ آخر، وعندها وصل غضب الجمهور إلى ذروته، فخرج في ثورة ولم يعد يرضيه إلا أن يعلن لاعب الاسكواش الاعتزال.