ركّز «المؤتمر الدولي لبحوث القضاء على مرض الإيدز» الذي استضافته باريس في «قصر المؤتمرات» أخيراً، على مشاكل تمويل بحوث مرض الإيدز وعلاجاته. وشارك فيه ما يزيد على ستة آلاف مختص في الإيدز (نقص المناعة المكتسبة) الذي يبلغ عدد مصابيه قرابة 37 مليون شخص، وهو ينتقل عبر فيروس «أتش آي في» HIV. وقبل افتتاح المؤتمر الذي ناقش أبرز البحوث العلميّة المتعلقة بالقضاء على الإيدز، نشر المنظمون ما سمّوه «بيان باريس» الذي عبروا فيه عن تصاعد القلق العام حيال استمرار الإيدز في الانتشار. وحذّر البيان من العواقب الوخيمة المترتبة على عدم التمكن من القضاء عليه، خصوصاً في حال عدم استمرار البحوث العلميّة في ذلك الأمر. وشدّد البيان على أهمية التمويل اللازم لتلك البحوث، مع ملاحظة أن المال يمثّل شرطاً للبحث العلمي. وعلى رغم أنّ البيان لم يشر تحديداً إلى الولاياتالمتحدة بصفتها بلداً رئيسياً متنصلاً من التمويل، لكن كان من الواضح أنها المعنية، خصوصاً بعد إعلانها مشروعاً لتخفيض تمويل ذلك النوع من البحوث. وكانت واشنطن من أسخى المساهمين في الأموال المقدمة للكفاح ضد مرض الإيدز. وكانت تقدم منفردة ثلثي التمويل الحكومي الدولي. وفي عام 2016، خصّصت مبلغ 4.2 بليون يورو (4.9 بليون دولار) لبرامج مكافحة فيروس المرض، فيما قدمت المملكة المتحدة 645.5 مليون يورو، وفرنسا 242.4 مليون يورو. طفل أفريقي وشفاء استثنائي في مفاجأة إيجابيّة، تصادفت أعمال المؤتمر مع ظهور أول حال شفاء كليّاً من فيروس «أتش آي في» عند طفل جنوب أفريقي انتقل إليه من أمه أثناء حملها به. وعقب الولادة بتسعة أسابيع، أعطي الطفل دواءً مضاداً للفيروس لمدة 40 أسبوعاً. وبعدها، توقف الأطباء عن إعطائه الدواء لما يزيد على 8 سنوات ونصف، من دون أن تظهر عليه أعراض المرض، بل مع اختفاء كلي للفيروس من جسمه. وتعتبر تلك المدة قياسيّة لأنها تفوق بأشواط ما يعرفه العلماء عن قدرة فيروس «أتش آي في» على الاختباء في نوع معيّن من خلايا جهاز المناعة، قبل أن يعاود ضرباته. وبعثت حال الشفاء الاستثنائي للطفل الأفريقي آمالاً عريضة لدى المصابين بالإيدز، كما حرّكت نقاشات واسعة داخل المؤتمر الباريسي المشار إليه أعلاه، إذ اعترفت الباحثة ليندا جيل بيكر، رئيسة «الجمعية الدولية للإيدز» التي نظّمت المؤتمر، بأن «ذلك الطفل يمثّل حالاً نادرة... لكنها تجدد الأمل بألا يكون علاج الإيدز أمراً يستمر طيلة الحياة». واستطراداً، أعربت بيكر عن مخاوفها من وفاة كثير من مُصابي الإيدز في حال استمر الانخفاض في تمويل بحوث القضاء عليه. حرمان 830 ألف مريض من الدواء عقب تسلّمه السلطة، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيض الإنفاق على تمويل بعض البرامج الصحّية من بينها تلك المتعلقة بمرض الإيدز. وجاء ذلك ضمن مشروع موازنة عام 2018 التي قدّمها ترامب إلى الكونغرس كي يناقشها ويعتمدها رسميّاً. وفي حال أقرت تلك التخفيضات، سيحرم قرابة 830 ألف مريض (معظمهم من الأفارقة) من الأدوية المضادة لفيروس «أتش آي في»، وهي تساهم في منع تطوّره. كما يؤدي الخفض المقترح إلى انفلات قرابة 200 ألف عدوى جديدة، وفق ما أفادت به منظمة أميركية مختصّة بالسياسات الصحيّة. وعلى رغم أن نتائج إيجابيّة تحققت منذ عام 2005 في مجال القضاء على فيروس الإيدز، إلا أن تراجعاً كبيراً في التمويل ربما يوصل إلى القضاء على ذلك المنحى الإيجابي، إذ سجل تراجع في عدد الوفيات المتّصلة بمرض الإيدز إلى النصف منذ عام 2005، وبلغ عدد الوفيات المليون في عام 2016، وفق ما أورده برنامج الأممالمتحدة المتعلق بمكافحة المرض. وفي العام الماضي، قدّر عدد المصابين بقرابة 36.6 مليون شخص، كان نصفهم يحصل على علاجات مناسبة. وفي 2016 أيضاً، جمع قرابة 19 بليون دولار من الدول المتبرعة وهيئات تمويل برامج مكافحة الإيدز. ويشير المختصون إلى ضرورة الحصول على 26.2 بليون دولار لتحقيق الهدف الذي وضعته الأممالمتحدة في شأن بدء التخلص في عام 2020، ما يعني أنّ برامج مكافحة الإيدز تحتاج إلى 7 بلايين دولار إضافيّة. وفي لقاء مع «الحياة»، صرّح الطبيب رضوان المصري، وهو مشارك في المؤتمر، أنّه من المعيب أن تخفض الدول الكبرى موازنات دعم برامج صحيّة مختصة بمكافحة أمراض كالإيدز والسلّ، وهو ما أعلنت الولايات المتّحدة أنها بصدده، على رغم استمرارها في رفع موازنة الدفاع والتسليح. وأكّد المصري أنّ أمراضاً كثيرة أصبحت بحاجة لمزيد من التمويل كي يجري التخلّص منها، من بينها «مرض التصلّب اللويحي المتعدّد» («ميلتبيل سكليروزس» Multiple Sclerosis ، واختصاراً «أم أس» MS) الذي يسجل زيادة مستمرة في عدد مصابيه عبر الدول كلّها.