مع وصول تظاهرات الشباب الحاشدة التي تشهدها المدن المصرية إلى ذروتها، سعى «حكماء» إلى التدخل لئلا تصل الأمور إلى نفق مظلم. حمل هؤلاء مطالب إلى نائب الرئيس عمر سليمان بصفته ممثلاً للنظام للتفاوض حولها أو حتى لتنفيذها من دون تفاوض. عادوا إلى ميدان التحرير يتلون هذه المطالب وهنا بدأت الخلافات تدب حتى وصلت إلى حد تسمية اللجنة التي باتت لجاناً. الشباب في الميدان، من جانبهم، لا يخفون تخوفهم من إضاعة المكاسب التي حققوها بسبب «خلافات الكبار». الاتفاق على ممثلين لهذه الانتفاضة الشعبية «لن يكون سهلاً»، كما يقول بعضهم، في ظل الهجوم المتبادل الذي بدأ بعضهم يشنه ضد آخرين. وكان أُعلن الأربعاء في ميدان التحرير عن لجنة تضم 20 شخصاً يمثلون أحزاباً سياسية مختلفة وجماعة «الإخوان المسلمين» و4 من الشباب، تلاها تشكيل لجنة أخرى تضم 25 من الشخصيات العامة برئاسة المفكر أحمد كمال أبو المجد الذي التقى سليمان ورئيس الوزراء أحمد شفيق للتفاوض معهما. وأعلن أيضاً عن لجنة ثالثة تضم 100 إسم، لم يتل المخرج خالد يوسف سوى سبعة منها في ميدان التحرير وتوقف خشية الخلاف حول بعض الأسماء. وهذه اللجنة تُجري نقاشات لتغيير اسمها لتكون لجنة المئة بدلاً من الحكماء «لأن الشباب الثوري لا يطيق الحكمة في هذه المرحلة». وأفيد أن لجنة أخرى تشكّلت تضم من بين أعضائها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي والعالم المصري أحمد زويل. وتضم بعض هذه اللجان الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وفي ظل هذه «التخمة» من اللجان، بدا أن «مرحلة الخلافات» قد بدأت. إذ خاطب القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» محمد البلتاجي المحتجين في ميدان التحرير أمس شاكراً لهم اختياره في إحدى هذه اللجان لتمثيلهم في التفاوض مع النظام. وقال تحت وقع التصفيق والهتافات «إن مطالبنا التي لن نتنازل عنها» تتمثل في رحيل الرئيس حسني مبارك وحل البرلمان وكل المجالس المنتخبة ومنح القضاء استقلالاً حقيقياً وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة والاستعداد لإجراء انتخابات ديموقراطية نزيهة. وفي مؤشر إلى وجود خلافات بين «الحكماء»، قال البلتاجي مخاطباً الجميع: «من يفاوض النظام باسمكم لا بد أن يحمل هذه المطالب وإلا فليتحدث عن نفسه». البلتاجي الذي وقف إلى جانب المفكر أحمد كمال أبو المجد وهو يتلو بيان لجنة الحكماء أول من أمس، قال ل «الحياة» أمس إن «من جاؤوا هنا لتلاوة بيانهم والمطالب التي عرضوها على الشباب لفظهم الشباب ورفضوا الاستماع إلى خطابهم». وشدد البلتاجي على أن الشباب هم من يحددون من يتحدث باسمهم «لا أن يأتي أحد ويقول إنه مفوض من قبل الشباب»، موضحاً أن هناك جهوداً لجمع هذه اللجان في كيان واحد. وقال الناشر إبراهيم المعلم ل «الحياة» إن هناك لجنة حكماء تضم أكثر من مئة شخصية منهم أبو المجد والسفير السابق نبيل العربي اللذان اجتمعا مع سليمان وشفيق الخميس الماضي، كما تضم اللجنة عمرو موسى ورجل الأعمال نجيب ساويرس والسفير نبيل فهمي والدكتور إبراهيم عوض ووزير الثقافة السابق منصور حسن، مشيراً إلى أن اللجنة مفتوحة لينضم لها من يشاء من «شرفاء الوطن». وأضاف أن «هذه اللجنة هي اللجنة الجامعة». ورصدت «الحياة» الإعلان عن عدد من «لجان الحكماء» على المواقع الإلكترونية المختلفة طلب فيها الشباب جمع توقيعات لتفويضها التحدث باسمهم. ووسط هذه الحالة من تعدد «لجان الحكماء»، لا يجد شباب في ميدان التحرير ممثلين حقيقيين لهم. وقال المتظاهر محمد إبراهيم (23 سنة) ل «الحياة»: «لم نر أياً من الحكماء في 25 كانون الثاني (يناير) عندما انطلقت تظاهرة يوم الغضب (التي كانت شرارة البدء في الانتفاضة الحالية)، هؤلاء لا يعبّرون عن مطالبنا الحقيقية». واعتبر أن «الكبار» يسعون إلى تصدّر المشهد في المرحلة المقبلة، وتحقيق مكاسب على حساب «إنجاز الشباب».