«حوارات النهضة الثانية»، كتاب للزميل إبراهيم العريس صدر حديثاً عن دار «منتدى المعارف» (بيروت). يقدم الكتاب سلسلة من الحوارات مع عدد من أبرز المفكرين العرب، تتناول قضايا ومسائل تواجه المجتمع العربي، والفكر العربي على وجه الخصوص مع نهاية القرن الفائت وآفاق القرن الحالي. تشمل الأسئلة أموراً اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وتراثية، والغاية منها رسم صورة للطريقة التي يفكر بها العقل العربي راهناً، والطريقة التي تطرح بها على هذا العقل الإشكالات والمعضلات المتعلقة بمسائل مثل «العولمة» و«التنمية» و«سيطرة عصر الصورة» و«مفهوم الدولة» و«الديموقراطية» و«الأصولية/ الأصوليات» و«صراع الأجيال»، ومصير أفكار مثل «التقدم» و«الأيديولوجيا» و«الإرهاب» وما إلى ذلك... وتستشف الحوارات الوضع الراهن للفكر العربي عند نهاية قرن كان المفكرون العرب عند بداياته يحلمون بأن يكون قرناً عربياً، وراحوا عند نهايته يعلنون خيبتهم، ويرسمون المحصلة. فالمحصلة قد لا تكون سلبية في نظر الكثيرين، وربما وجدها بعضهم إيجابية الى حد ما، باعتبار أن ما هو كائن لا يمكن أن يكون ما هو أفضل منه في ضوء مقدمات لم تكن في الأصل مشجعة. وكان العريس أجرى هذه الحوارات في بيروت والقاهرة ودمشق وباريس والرباط وسواها، خلال مرحلتين، الأولى في آخر القرن الماضي والثانية في وسط العقد الأول من القرن الجديد. أما المفكرون الذين حاورهم فهم: سعدالدين إبراهيم، سمير أمين، محمد جابر الأنصاري، علي أومليل، سعد البازعي، حازم الببلاوي، طيب تيزيني، محمد عابد الجابري، هشام جعيط، ناصيف حتّي، علي حرب، تركي الحمد، رشدي راشد، محمد الرميحي، إسماعيل سراج الدين، نوال السعداوي، غسان سلامة، رضوان السيد، هشام شرابي، فواز طرابلسي، جورج طرابيشي، عبدالله العروي، عزيز العظمة، عبدالله الغذامي، برهان غليون، محمد حسين فضل الله، وجيه كوثراني، الطاهر لبيب، المنصف المرزوقي، كريم مروة. ويرى العريس في المقدمة أن المثقفين العرب وهم على مشارف القرن الجديد، وفي وقت تسيطر على العالم كله حضارة «الميديا» - وسائل الاتصال والصورة والمعلوماتية - ويتوحد العالم أمام سلطان التلفزة وهيمنة الإنترنت وملحقاته، ويكاد العالم يكون فيه أحادي البعد، ويرمى في التاريخ كله في متاحف العتائق، في وقت مثل هذا، ربما كان المثقفون هؤلاء في حاجة الى أن يصوغوا أسئلتهم وأن يعيدوا النظر في الكثير من المسلّمات القديمة، أكثر مما هم بحاجة إلى أن يطلقوا شعارات جديدة ويتسرعوا في أحكامهم. وما موقف الفكر العربي بشكل عام من قضايا، مثل «العولمة» و «نهاية التاريخ» و «وسائل الإعلام» واستخفافه الشديد بها، أو في أحسن الأحوال محاولته الكأداء للتعامل معها انطلاقاً من أفكار جاهزة مسبقة تعود إلى سنوات الستينات والسبعينات، وما محاولات الفكر العربي العثور على كل مرجعياته حيناً في التراث وحيناً في تراث عصر النهضة، سوى إشارتين الى الأسلوب الذي ما زالوا يتعاملون به مع مسائل جديدة مطروحة على الفكر العربي. ويقول: «من هنا، على ضوء هذا، ولرغبة في استفزاز الفكر العربي، كان لا بد لأسئلة من أن تصاغ وأن تحمل لتطرح، في عدد من العواصم العربية، وفي عدد من المنافي، على نخبة من المفكرين العرب، في محاولة للتشارك في الهموم. ولخلق دينامية سجالية لا بد من الإشارة المسبقة إلى أننا لسنا واثقين هنا من أن بإمكانها أن تؤدي الى أي نتيجة. بالنسبة إلينا ليست المسألة مسألة نتيجة وحلول عجائبية يمكن التوصل إليها، فالحلول إذا كان يمكن الوصول إليها، فلن تكون إلا عبر تفاعل الفكر مع حركية المجتمع وإمكانية السلطات، شتى أنواع السلطات. المهم بالنسبة إلينا هو تقديم المنبر الصالح لطرح هذا الفكر العربي شؤونه وشجونه، انطلاقاً من قضايا أساسية تجابه هذا الفكر والمجتمع الذي ينتمي إليه».