بجسده الضخم وعينيه اللتين تتفحصان الداخلين إلى قاعة الحفل وقف حيدر سليم (25 سنة) كحاجز بشري على باب القاعة للتدقيق في الداخل إليها والخارج منها طالباً من الضيوف عدم استخدام الهاتف الجوال، ومشيراً بيده اليمنى إلى الحديقة الموجودة في الجوار. ويقول: «في حال الاضطرار إلى التحدث بالموبايل يمكن للضيوف الخروج من الصخب إلى هذا المكان ثم العودة إلى القاعة بعد إطفاء الجهاز». وسط تلك الجموع دخل شاب من الأقارب وحاول التقاط بعض الصور، لكن يد حيدر سرعان ما التقطت الهاتف بخفة عجيبة، وقال للشاب بحدة: «ممنوع التصوير رجاءً، لا نريد أن تتحول فرحتنا إلى ألم بعد أن تبث صورنا الخاصة وفيديوات العرس على فايسبوك ويوتيوب». حيدر هو شقيق العروس وتم تعيينه بتفويض من شقيقته أمل وعريسها محمد لمنع التصوير في القاعة التي أقاما فيها الحفلة في نادي الفروسية في منطقة الجادرية، وهذا الإجراء تم بعدما تعرض عرس شقيق حيدر الأكبر إلى ما أسماه «تهكير فيديوي»، إذ تم نشر مقاطع فيديو للعروسين وهما يرقصان في القاعة على أنغام الأغاني الشعبية فانهالت عليهما عشرات التعليقات المحرجة مثل «لم تصدق هذه العروس أنها وجدت عريساً» و «يرقصان وكأنهما يحضران عرس أم العريس وليس العريس ذاته» وكانت تلك التعليقات الساخرة كفيلة بالاحتياط هذه المرة إذ اقترح حيدر ذاته «بادي غارد» للعروسين. تذمر بعض الضيوف لم يمنع حيدر من الحزم بخصوص الموبايل لكن في النهاية التزم الجميع التعليمات حينما أمسك الشاب الميكرفون ونادى بصوت عال على الحضور قائلاً: «أرجوكم أن لا تغضبوا نحن نريدكم أن تكونوا الجزء الأكبر من فرحتنا والصور هي خاصة بالعروسين وليس من حق أحد أن يرغمهما على مشاركتها». هز معظم الحضور رؤوسهم بالموافقة وعلق رجل خمسيني كان يجلس مع عائلته بالقول: «هذا من حقكم فالإنترنت لم يترك خصوصية لأحد ولو تزوجت ابنتي سأفعل الشيء ذاته». في نادي الفروسية هناك خمس قاعات للأعراس معظمها يمتلئ بالحضور في يوم الخميس وحيدر ليس الحارس الوحيد في المكان. فالدخول إلى أية قاعة من تلك القاعات يجب أن يبدأ باجتياز الباب الرئيس الذي يقف أمامه ال «بادي غارد» ويكون غالباً شقيق العروس أو شقيق العريس أو والد أحد العروسين وهذا الحارس مكلف بالتنبيه بعدم استخدام الموبايل وعدم التقاط الصور ومقاطع الفيديو للعروسين، وفرض إجراء المكالمات خارج القاعة. ولتجاوز هذا الحارس يتوجب أن يحمل الضيوف المجهولين بالنسبة إليه بطاقة الدعوة، أما المعروفين من الأقارب فيتلقفهم الحارس بالأحضان لكنهم مشمولين بالتعليمات ذاتها. وباجتياز «البادي غارد» والدخول إلى القاعة تبدأ أجواء العرس تتضح، فالعريسان يرقصان على أنغام الموسيقى الغجرية وشقيقات العروس يتنافسن مع شقيقات العريس على إظهار الابتهاج بالمناسبة بالرقص، فيما تبدو القاعة مزدحمة بالمهنئين الذين يحتاج من يريد اجتيازهم والوصول إلى العرسان وقتاً ليس بالقليل. وفي أحيان كثيرة يكون الفرح سبباً في بث مقاطع فيديو من الأعراس على «يوتيوب» و «فايسبوك»، لكن في ظروف أخرى يتعمد بعض الحضور نشر خصوصيات الحفل أو التركيز على بعض الشخصيات من الحضور، لفتح باب التعليقات التي لا تنتهي. ويسبب ذلك الأمر مشكلات كثيرة للعروسين وإحراجاً كبيراً لا سيما في حال جازفت العروس بخلع حجابها ليلة الزفاف داخل القاعة، أو كانت وعريسها من عائلات محافظة فيما الحفلة مختلطة مثلاً أو فيها أغان، فسرعان ما تنهال الشتائم والتعليقات المؤذية. ساره عبدالله (22 سنة) تقول إنها تعرضت لموقف قاس قبل عام مضى حينما نشر شخص غير معروف من الحضور فيديو خاص لها ولزوجها وهما يرقصان على أنغام الموسيقى. وتقول «وافق زوجي على أن أخلع الحجاب ليلة الزفاف وكنا نرقص بين أصدقائنا وأهلنا ولم يكن هناك غرباء، لكن أحدهم نشر الفيديو على اليوتيوب وكتب عبارات جارحة بحقي وحق زوجي تسببت لاحقاً في تعرضنا للسب واتهام زوجي في التعليقات بأنه ليس رجلاً لأنه سمح لزوجته بخلع الحجاب فيما اتهمني البعض بالردة عن الدين». التجارب التي مرّ بها العرسان الشباب جعلت من وجود «بادي غارد» أمراً مهما في كل حفل زفاف، بل بات أحد أهم أركان الحفل تماماً مثل الكوشة والسيارة والزفة.