مع تقدم قوات سورية الديموقراطية بدعم أميركي في أحياء مدينة الرقة لتحريرها من «داعش»، تتجه الأنظار إلى سيناريوات ما بعد تحرير المدينة، ليس لأن الرقة عاصمة «دولة الخلافة» في سورية، بل لأن معركتها ستكون فاصلة لجهة التداعيات محلياً وإقليمياً ودولياً، إذ إنها سترسم خريطة جديدة لمناطق نفوذ القوى المتصارعة على سورية. بعد نحو شهر من بدء معركة الرقة، تثير وتيرتها أسئلة كثيرة، ففي الوقت الذي يقول المسؤولون الأميركيون أنها ستكون صعبة وطويلة، تتحدث أوساط محلية عن احتمال أن تشهد المعركة تطورات سريعة، لا سيما بعد أن هزم «داعش» في الموصل، واحتمال أن يدفع ذلك بالتنظيم إلى تسليم المدينة إلى قوات سورية الديموقراطية إذا وجد عناصره طريقة للخروج منها، ولعل هذا الأمر دفع بالروس إلى الحديث مراراً عن اتفاق بين الجانبين، وسط خشية من أن يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى توجه «داعش» من جديد نحو مدينة تدمر التي سيطر عليها التنظيم مرتين، ولعل هذا ما زاد مخاوف النظام والروس والإيرانيين و«حزب الله» ودفعهم إلى تنظيم حملات عسكرية نحو الحدود الإدارية للرقة من ناحية الغرب، وجنوباً نحو الحدود العراقية. إذا كانت معركة الرقة ستكون النهاية الفعلية لتنظيم «داعش» بعد تحرير الموصل، فإن ثمة قناعة بأن تحرير الرقة سيؤدي إلى إقامة إقليم جغرافي واسع يضم، إضافة إلى الرقة، محافظة الحسكة ومناطق من محافظتي حلب ودير الزور تحت سيطرة قوات سورية الديموقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها، في شكل مناطق نفوذ بين الولاياتالمتحدة وحلفائها المحليين من جهة، وبين روسيا وحلفائها من جهة ثانية. وفي جميع الأحوال، فإن هذا التطور الميداني الكبير يوجه الأنظار إلى تطلعات الأكراد التي تتحقق في شكل انتصارات ميدانية على الأرض ومطالبتهم بحكم فيديرالي، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوات عدة، لعل أهمها: أولاً: سيناريو الصدام بين الأكراد والنظام، خصوصاً في ظل وصول قوات الأخير إلى الحدود الإدارية للرقة وتقدمها من أكثر من محور مدعومة بالحلفاء الروس والإيرانيين و «حزب الله»، حيث من الواضح أن النظام بعد معركة حلب بدأ يوسع مناطق سيطرته تدريجاً. الثاني: سيناريو التوافق، حيث كان ملفتاً قبل فترة حديث وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، عن مشروعية محاربة الأكراد «داعش»، وكذلك الحديث عن تقاطعات كثيرة بين الطرفين في أكثر من موقع وموقف، لكن الذي ينبغي قوله هنا، هو أنه في الحالين، قرار الصدام أو التفاهم يعود إلى اللاعبين الروسي والأميركي، وإذا كان من المستبعد حدوث صدام أميركي – روسي في شكل مباشر، فإنه حتى لو حصل من خلال الحلفاء المحليين على الأرض سيكون هدفه تعزيز مواقع النفوذ وتثبيت أوراق القوة، ربما بحثاً عن أسس جديدة للتسوية، لا سيما بعد اتفاق وقف النار في مناطق جنوب غربي سورية. في الحديث عن تداعيات معركة الرقة، لا يمكن إغفال أو تجاهل دور تركيا ومخاوفها، فالثابت أن معركة الرقة ستكون لها تداعيات على الأمن القومي التركي، حيث تخشى أنقرة من أن تؤدي سيطرة الأكراد عليها إلى ولادة إقليم له عمق جغرافي مرتبط باستراتيجية حزب العمال الكردستاني، وربما مثل هذا الأمر يدفع بالأكراد إلى التفكير أبعد من الرقة، في ظل التصريحات عن نيتهم التوجه إلى محافظة إدلب، بل الوصول إلى البحر المتوسط لتأمين ممر بحري لهم إلى الخارج. تداعيات معركة الرقة ستكون استراتيجية بالنسبة إلى تركيا وسياستها تجاه الأزمة السورية، وعليه يمكن القول أن الجهد التركي سينصب باتجاهين في المرحلة المقبلة. الأول: العمل على خط واشنطن لضمان عدم بقاء مدينة الرقة تحت سيطرة الأكراد بعد تحريرها والعمل على انسحابهم نحو المناطق الكردية أي شرق الفرات، وهو مطلب تركي قديم – جديد. الثاني: الإبقاء على الخيار العسكري وربما القيام بعملية عسكرية على غرار «درع الفرات»، إذ باتت تركيا تتحدث عن عملية عسكرية جديدة تحت عنوان «سيف الفرات» بهدف منع ربط عفرين بمناطق غرب الفرات. في جميع الأحوال، تبقى معركة الرقة فاصلة وحاسمة، إذ إن نتائجها ستفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عمر الأزمة السورية. * كاتب سوري