يتميز علم الفلك والفضاء، الذي يعرف باسم «أسترونومي» Astronomy عن سائر العلوم بذلك المخاض التاريخي المليء بالاضطراب الذي صاحب تطوره وتقدمه. وترجع نشأته إلى أزمنة سحيقة، إذ رافق أساطير الحضارات البدائية ودياناتها. كما شهد على صراع دام طوال القرون الوسطى، بين جبروت سلطة الكنيسة من جهة، والمحدثين العلماء من جهة ثانية. ودفع بعض علمائه ثمناً غالياً لأرائهم العلمية عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس وتركيب النظام الشمسي ووجود حياة في كواكب قصيّة، كما حدث مع كوبرنيكس وغاليلي وبرونو جودورنو وغيرهم. وفي التاريخ الحديث، اتُخذ علم الفلك ميداناً للحرب الباردة، التي انتهت في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي، بين الاتحاد السوفياتي وكتلة الدول الاشتراكية من جهة، والكتلة الرأسمالية من الجهة الأخرى. وفي أحد فصولها، سار رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين في الفضاء في ربيع العام 1961، الذي حملته إليه مركبة تمكنت أيضاً من الدوران به حول الكرة الأرضية. وحينها، اعتبر المعسكر الاشتراكي هذا الإنجاز انتصاراً على الرأسمالية وقطبها الأميركي الأقوى. وأتى رد الأخير، بعد ثماني سنوات، حينما نشرت وكالة الفضاء الدولية «ناسا» صور رائدي الفضاء الأميركيين باز ألدرن ونيل أرمسترونغ على سطح القمر وبجوارهما يرفرف العلم الأميركي. وكذلك اندرج أحد فصول ذلك الصراع تحت عنوان «حرب النجوم» التي أطلقها الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغن. وهذا دليل على مكانة العلوم في نفوس تلك الشعوب ودورها في صناعة صورتها وسطوتها وتقدمها. ويشهد الوطن العربي اتساع الهوة المعرفية بينه وبين البلدان المتقدمة، خصوصاً في مجال علم الفلك والفضاء، حيث تبدو المساهمة العربية في هذا المضمار شبه معدومة في عصرنا. بل تتمثّل تلك «المساهمات» راهناً بدأب وسائل الإعلام المرئية والمسموعة عربياً على الترويج للمنجمين و «البصارين» ومستشرفي المستقبل فتقدمهم كعلماء فلك، من دون أن يرف لها جفن! وتنتظرهم شعوبنا، بلهفة واهتمام وحماسة لتستمع إلى أقاويلهم، فتتبصر مستقبل أمتنا ومصير القادة والمغنين والراقصات وسواهم من مشاهير طفرة الإعلام العربي. ومن عدم الإنصاف التعميم في هذه الأمور. فثمة محاولات بناءة يقوم بها متخصصون عرباً وجمعيات تعنى بهذا المجال، لإعادة الاعتبار للمفهوم الحقيقي لعلم الفلك والفضاء. وفي هذا الإطار، برز أخيراً الموقع الإلكتروني «أسترونوميستس.كوم» astronomysts.com الذي أنشأته «الوكالة العربية لأخبار الفلك والفضاء»، بهدف إبقاء المتخصص والهاوي العربي على بيّنة واطلاع في شأن النظريات والاكتشافات الجديدة في مجال علم الفلك. ويعتمد الموقع، بحسب ما يرد في القسم المخصص للتعريف به، «في تحديث المعلومات والمعطيات وأخبار الفلك والفضاء على مختلف مراكز البحث العلمي ووكالات الأنباء الدولية الموثوقة والمعتمدة». ويلاحظ زائر الموقع وجود شريط إخباري في أعلى الصفحة الرئيسية مخصص لعرض آخر الأخبار المتعلقة بالفضاء. وتبرز على يمينها قائمة محتويات الموقع وهي عبارة عن مجموعة من المقالات والأخبار والنصوص التعليمية المكتوبة باللغة العربية التي تتناول علم الفضاء من جوانبه المختلفة. ويكتسب الموقع أهمية فريدة باحتوائه على مكتبة فيديو مخصصة لمشاهدة مقاطع وأفلام وثائقية باللغتين العربية والانكليزية. وفي نافذة خاصة، يعرض الموقع مختارات من مقالات نشرت في الصحف اليومية لها علاقة بمجاله العلمي. وفي أسفل الصفحة من جهة اليمين، يوجد رابط خاص للاتصال بموقعي «يوتيوب» و «غوغل». وفي جهة اليسار، تعرض المقالات الجديدة، مع رابط يصل الزائر بعدد من المواقع الإلكترونية التي تعنى بقضايا الفلك والفضاء. وكذلك تقدم نافذة «هل تعلم؟» معلومات مهمة بطريقة ظريفة ومختصرة. وفي وسط الصفحة، ثمة شاشة تقدّم بثاً مباشراً من وكالة «ناسا» الأميركية، وتقتضي مشاهدتها استعمال برنامجي «فلاش بلايير» و «ويندوز ميديا بلايير». وعلى رغم أهميتها، تبقى هذه المبادرة غير كافية لتفعيل دور العلم في العقل العربي، وهذه مشكلة تتعاظم مع مرور الوقت في ظل غياب استراتيجية علمية عربية تحتضنها المؤسسة السياسية، فتعيد الاعتبار لدور مجتمعها في كل المجالات لا سيما علم الفلك، الذي قال عنه العالم العربي المعروف البتاني أنه «أرقى العلوم».