بروكسيل - أ ف ب - تستضيف بروكسيل مهرجاناً يتميز بطيف واسع من النشاطات الفنية تحت عنوان «بيروت أجمل مما كانت»، ويحاول عبره المنظمون إتاحة الفرصة للجمهور كي يتعرف الى مدينة خرجت من حرب أهلية طويلة وتعيش أزمة لكنها «تلد فنانين يجددون أشكال الفنون» كما يقولون. تمتد نشاطات هذا المهرجان على مدى الأشهر المقبلة، ويستمر حتى أواسط نيسان (أبريل)، وجاء افتتاحه عبر معرض صور فوتوغرافية للمصور اللبناني فؤاد الخوري، يستمر حتى أواخر آذار (مارس) المقبل ويستضيفه مركز عرض «ايسيلب» المرموق وسط العاصمة البلجيكية. هذا المهرجان ينظمه مركز فنون «صالات سكاربيك»، ويعتبره تتمة لعمله على التعريف بمجالات الفنون في الشرق الأوسط، بعدما كان نظم قبل عامين تقريباً مهرجاناً مماثلاً عن «مسارات فلسطين». وتقول مديرته فابيان فيرستراتن إن ما دفعهم للتركيز على بيروت هو احتواؤها على «وسط فني غني جداً، وقدم أعمالاً غيرت أشكال الفن في الرسم والأدب وفي مجالات فنون الخشبة والفنون البصرية». وتوضح فرستراتن انهم يحاولون عبر المهرجان إتاحة الفرصة للجمهور والمهتمين من أجل «استكشاف وفهم» كيف أن مدينة مثل بيروت، عاشت 15 عاماً من الحرب الأهلية وتعيش أزمة متواصلة، أمكنها أن «تلد فنانين يجددون أشكال الفنون»، وأن تصير منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي «مدينة الحداثة العربية، ومكاناً مرجعياً للنشر والإبداع المسرحي والأدبي وأيضاً للفنون البصرية أخيراً». ولتحقيق هذه المقاربة، يستضيف المهرجان نشاطات فنية واسعة الطيف، تتضمن لقاءات مع أدباء أبرزهم الروائي الياس خوري وايتيل عدنان، وسينمائيين مثل محمد سويد وماهر أبي سمرا، بعضها لقاءات فردية، ومنها الآخر يأتي ضمن المشاركة في منتدى عن بيروت، يقام ليومين أواسط آذار (مارس) المقبل بمشاركة مهندسين معماريين وخبراء سياسة وفلاسفة. وإضافة إلى عروض سينمائية متفرقة، على مدى الأشهر المقبلة، تقام أيضاً تظاهرة سينمائية في «سينماتيك» بروكسيل في قصر الفنون الجميلة (البوزار)، وستعرض فيها أفلام للمخرجين جوانة حاجي تومس وخليل جريج، وبرهان علوية، ومارون بغدادي، ورندة شهال صباغ، وجوسلين صعب، ودانييل عربيد وميشيل كمون. ويقيم المهرجان أيضاً عروضاً مسرحية وأخرى للفنون المعاصرة وتجهيزات الفيديو، وحفلات موسيقية، وينظم ورشة للكتب المرسومة يشارك فيها خمسة فنانين من بلجيكا التي تعتبر أحد المعاقل الرئيسة لهذا الفن، وخمسة فنانين لبنانيين بعدما شهدت الأعوام الأخيرة الفائتة ولادة موجة جديدة من الفنانين الشباب المهتمين بالقصص المصورة. وجاء افتتاح المهرجان الخميس الماضي عبر معرض المصور فؤاد الخوري (1952)، ويقدم فيه مجموعة كبيرة من صوره التي تغطي ثلاث مراحل من حياة المدينة، قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وإبانه، ومرحلة ولادة مشروع إعادة إعمار بيروت، ثم مرحلة التمهيد لهذا المشروع. وكان المصور الذي يعيش بين بيروت وباريس، التقط صوره خلال تغطيته الحرب في لبنان، ونشر بعضها في جريدة «ليبراسيون» الفرنسية. واللافت أن صوره حول مشروع إعمار بيروت جاءت ضمن مشاركته مع خمسة مصورين آخرين، طلب منهم تصوير حجم الدمار في بيروت تمهيداً لإعمارها، من قبل شركة «أوجي ليبان». ويقول الخوري عندما التقطت الصور: «لم نكن نعرف ما الهدف منها». ويضيف «في عام 1991 لم تكن شركة «سوليدير» (الشركة التي أدارت مشروع الإعمار) معروفة»، قبل أن يشير إلى انه يستنتج الآن أن الصور التي التقطوها استخدمت للقول إن «هذه المدينة كلها مدمرة، ويجب أن نخربها ونرميها في البحر، كي يستملكوا المدينة». وعلى رغم الخلفيات السياسية التي تخيم على المعرض، نظراً للمراحل الحساسة التي التقطت فيها الصور، فذلك لم يحجب الاهتمام بالجماليات المتعددة التي تقدمها، خصوصاً كونها تتجاوز أبعاد التوثيق وتقوم على حساسية فنية عالية، أثارت إعجاب كثيرين ممن استقطبهم المعرض. ولم يكن استحواذ بيروت على موضوع المعرض بعيداً من إدراك المصور الذي يؤكد أنه رفض بداية أن تكون المدينة عنواناً لمعرضه، لكنه قبل أخيراً «تحت ضغط حماسة المنظمين»، كما يقول مشيراً الى أنه يرفض أن تؤطر صوره بمكان، ويفضل أن تأتي تحت عنوان إنساني عابر للحدود «يتيح النظر إليها كأعمال فنية بالدرجة الأولى». ويقدم الخوري صوراً تقترح رؤية شخصية صريحة، فالمصور لا يسيطر عليه الحدث والمكان على رغم الإثارة وعناصر القوة التي يملكها موضوع كالحرب والدمار، لكنه يستثمر عناصر المكان لمصلحة الحساسية الفنية ولتحقيق لقطات مشغولة بالاستعارات والمجازات، ومثلها صورة يلتقطها من خلف سحاب معدني لمحل تجاري، ينسدل نصفه كستارة على ساحة النجمة، لكنه ستار تنفذ منه إضاءات قوية عبر مئات الثقوب التي أحدثها الرصاص فيه. تقول منظمة مهرجان بيروت إن المصور قدم «عملاً فنياً حقيقياً وحتى صوره عن المدينة جاءت عبر اقتراب حميمي جداً»، معتبرة أن مقاربته لموضوعاته «لا تقوم على الإثارة ولا هي عمل صحافي». وتؤكد فرستراتن أنهم سيتجنبون تقديم «رؤية ذات صوت واحد» عن العاصمة اللبنانية، موضحة أنهم سيركزون أيضاً خلال المنتدى على الضاحية الجنوبية لبيروت وموقعها لأنها «مهمة جداً»، كما تلفت الى توزيعهم النشاطات على أماكن عرض مختلفة كي يتمكن جمهور متنوع من متابعة الفعاليات.