يعيش المواطن العربيّ منّا خوفاً متفاوتاً ومستمرّاً، بصرف النظر عن الاستقرار الأمنيّ أو عدمه، ويستسلم لخوفه هذا ليملي عليه تصرفاته وأقواله وعاداته وتقاليده، حتى باتت أفعاله وأحلامه ومخططاته المستقبلية كلّها ردّ فعل على مخاوفه، المستتر، منها كما المُعلَن، ويمكن تصنيفها في خانتين لا ثالثة لهما «افعل» أو «لا تفعل» .Do or Do not مخاوف زرع بذورها الآباء والمدرّسون والناظرون والمربّون، وسقاها وسهر عليها كلّ ما يسمى «استبلشمنت»... سور حصين أسّسه لنا هؤلاء بأيديهم، وبأيدينا أضفنا ونضيف كلّ يوم فوق هذا الأساس المتين، حجراً بعد حجر، مدماكاً بعد مدماك، قرارات نتخّذها ومواقف نعيشها نتيجة مخاوفنا، فيعلو السور ويعلو من حولنا، يحيطُ بنا، يحجب الشمس، وضوء القمر، وتنتشر الظلمة أكثر فأكثر. ويضيق المكان فينا، إذ يصبح داخل السور سجناً مغلق الإحكام، بدلاً من ملاذ آمن يحمينا. بأيدينا نحكم الطوق، وهي في كلّ ذلك جاهلة تماماً لما هي فاعلة. مسيّرة، لا مخيّرة. مسلوبة الإرادة والتفكير المنطقي. فالخائف شخص لا يملك قراره، عديم الثقة بالنفس، موتور، يمكن أن تقوده جرعة إضافية من الخوف الى سراديب القتل والإرهاب والسقوط في فخّ قلب الأدوار لتخويف الآخرين وترهيبهم انتقاماً من خوفه. التسلّط والاستبداد والجرائم والإرهاب والحروب والثورات والانقلابات يصنعها أبناء الخوف، لا الأبطال الشجعان. وما الطائفية والمذهبيّة والتمييز العنصري والعرقي والولاء للشخص والقبيلة وكلّ أشكال التعصّب، غير وجوه متعدّدة للخوف. ولطالما استشهد كبارنا بما يُعرف «بضربة الجبان»، للدلالة على الضربة القوية التي يوجهها الجبان الى خصمه، لا بدافع الشجاعة ولا نتيجة القوة الجسدية، بل بدافع الخوف من ألا تصيب ضربته خصمه، فيعود هذا الأخير ويوجّه إليه الضربة ضربتين ويقضي عليه. لا أعتقد أن بو عزيزي، بائع الخضار الذي أشعل النار في جسده، وأشعل معها فتيل الثورة على الحكم في تونس، رجل شجاع، ثاقب الرؤية، واسع المعرفة بالثورات والانقلابات، قدوة في تحريك الشارع ومخاطبته. بو عزيزي ليس إلا مواطناً عربياً خائفاً. عاش حياته كلّها بالخوف من الجوع والعطش والعوز والتشرّد والحاجة. وأشعل النار في جسده ليضع حداً لحياته بدافع الخوف أيضاً: الخوف من الغد، ومن الحياة... وما تخبّئه، وما ينتظره. رحلَ بو عزيزي. وانتهى خوفه رماداً. ويبقى، من يُطمئن أُمّة بكاملها تلتهم خوفها وتغصّ به؟