تحاول الإدارة الأميركية التوفيق بين مصالحها الاستراتيجية والجيو سياسية مع مصر ومحاولة الضغط على الحكومة المصرية والرئيس حسني مبارك للقيام بإصلاحات و «خطوات ملموسة» دعا إليها الرئيس باراك أوباما من شأنها، كما يأمل المسؤولون الأميركيون، أن تهدئ الوضع وتبدأ مرحلة انتقالية حتى نهاية ولاية الرئيس المصري في أيلول (سبتمبر) المقبل. ولوحت واشنطن أول من أمس بمراجعة المساعدات لمصر، والتي تعتبر الشريان الحيوي للحكومة والجيش. ودعا (أ ف ب) المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي مجدداً السبت «جميع الأطراف» في مصر إلى «ضبط النفس». وكتب كراولي على صفحته على موقع تويتر «مع بقاء المتظاهرين في الشوارع في مصر، إننا قلقون من مخاطر وقوع أعمال عنف، وندعو مجدداً جميع الأطراف إلى ضبط النفس». وتابع كراولي في رسالة أخرى على موقع المدونات الإلكترونية القصيرة أن «المصريين ما عادوا يقبلون بالوضع القائم وينتظرون من حكومتهم أن تباشر آلية لإقرار إصلاحات حقيقية». ورأى كراولي انه لا يمكن للرئيس المصري تعديل الحكومة «والتمسك بموقف متصلب»، مؤكداً أن «وعود الرئيس مبارك بالإصلاح يجب أن تستتبع بأفعال». وإذ استكمل أوباما اجتماعاته مع كبار مستشاريه في مجلس الأمن القومي وكثفت الإدارة الأميركية اتصالاتها مع ديبلوماسييها في القاهرة لتقصي الوضع على الأرض، نقلت محطة «سي أن أن» عن «خيبة أمل» في البيت الأبيض من خطاب مبارك فجر أمس الذي أعلن فيه استقالة حكومته، كونه «لم يتضمن أي إقرار أو تفهم لمطالب المتظاهرين». وانعكس عدم الرضا في بيان ألقاه أوباما بعد خطاب مبارك، وبعد اتصال استمر 30 دقيقة بين الزعيمين. ودعا الرئيس الأميركي نظيره الى اتخاذ خطوات «ملموسة» في سبيل الإصلاح السياسي والامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين المعارضين لنظامه. وقال أوباما: «أريد توجيه دعوة واضحة الى السلطات المصرية بالامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين المسالمين». وأضاف إن «الشعب المصري لديه حقوق يتشارك بها الجميع. وهذا يشمل حق التجمع سلمياً والحق بحرية التعبير وتقرير المصير، وهذا يندرج ضمن حقوق الإنسان». وأشار أوباما الى أنه طلب من الرئيس المصري الإيفاء بالتعهدات و «قلت له أن لديه مسؤولية إعطاء معنى لهذه الكلمات. قلت له أن يتخذ خطوات ملموسة للإيفاء بتعهداته». وسبق تصريحات أوباما تلويح للمرة الأولى بورقة المساعدات التي تقدمها واشنطن الى مصر وتقدر بأكثر من بليون دولار في العام. وقال البيت الأبيض على لسان الناطق باسمه روبرت غيبس إن الولاياتالمتحدة ستراجع سياسة المساعدات بناء على الأحداث التي تقع هناك خلال الأيام المقبلة. وأضاف غيبس: «سنراجع موقف مساعداتنا بناء على الأحداث الجارية الآن وفي الأيام المقبلة». ومنحت واشنطن مصر 1.3 بليون دولار مساعدات عسكرية و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية في العام الماضي. وتشكل هذه المساعدات بحسب الخبراء شرياناً حيوياً للنظام والجيش المصري، وبالتالي قد يعني التلويح بمراجعتها في هذه المرحلة بالذات تحذيراً مبطناً للحكومة المصرية لأخذ المطالب الأميركية في الاعتبار. وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية السناتور جون كيري أكد في مقابلات إعلامية أمس أن هناك أوراق ضغط كثيرة بيد واشنطن «قبل موضوع المساعدات» وأن مبارك بإمكانه «تهدئة الشارع من خلال الإعلان أن نجله جمال مبارك لن يترشح للرئاسة». واعتبر السناتور المخضرم بأن مصر بإمكانها الاستفادة من التطورات الأخيرة «ببدء المرحلة الانتقالية لما بعد مبارك مع انتهاء ولايته وضمان انتخابات حرة ونزيهة». ولم يبد كيري مخاوف على المرحلة المقبلة، مشيراً الى أن هناك «وقتاً كافياً للتعاون والتحضير من خلال الإصلاحات» ولضمان انتخابات هادئة. وكانت (رويترز) وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وصفت الثلثاء الماضي حكومة مبارك بأنها مستقرة، ثم بدأت مواقف البيت الأبيض بالتحول تدريجياً، بما في ذلك تأكيدها بجعل دعوتها من أجل الإصلاح أكثر تركيزاً، وصولاً الى مطالبتها القاهرة يوم الجمعة ب «كبح» قوات الأمن لديها. وقالت كلينتون للصحافيين إن «الإصلاحات ضرورية في شكل مطلق لخير المصريين». وأضافت موجهة حديثها لزعماء الشرق الأوسط «عليهم أن ينظروا لمجتمعاتهم كشريك وليس كتهديد». وأوردت وكالة «رويترز» في تقرير أمس أن الولاياتالمتحدة تقدّم لمصر منذ عام 1979 معونات تبلغ نحو بليوني دولار سنوياً في المتوسط معظمها مساعدات عسكرية، وفق مكتب أبحاث الكونغرس، وهو ما يجعل مصر ثاني أكبر متلقٍ للمعونات الأميركية بعد اسرائيل. وأعلن البيت الأبيض الجمعة أنه سيجري مراجعة للمعونات الأميركية لمصر على أساس الأحداث التي ستحدث في الايام المقبلة وسط احتجاجات واسعة تهدف إلى إنهاء حكم الرئيس حسني مبارك الذي مضى عليه 30 عاماً. وفي ما يأتي بعض الحقائق في شأن المعونات: - في 2010 تلقت مصر معونات عسكرية بلغت قيمتها 1.3 بليون دولار لتعزيز قواتها المسلحة، في حين حصلت على مساعدات اقتصادية بقيمة 250 مليون دولار. وذهبت 1.9 مليون دولار أخرى لتدريبات تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري الأميركي - المصري الطويل الأجل. وتتلقى مصر أيضاً معدّات عسكرية فائضة بمئات الملايين من الدولارات سنوياً من وزارة الدفاع الأميركية. - طلبت إدارة اوباما من الكونغرس الموافقة على معونات لمصر بقيمة مالية مماثلة للسنة المالية 2011. - الانتاج الأميركي - المصري المشترك للدبابة القتالية «أبرامز أم 1 ايه1» هو إحدى ركائز المساعدات العسكرية الأميركية. وتخطط مصر للحصول على 1200 من تلك الدبابات. وشركة «جنرال دينامكس» هي المقاول الأساس لهذا البرنامج. - تعكف شركة «لوكهيد مارتن كورب» على تصنيع 20 طائرة مقاتلة متطورة جديدة من نوع «أف - 16سي دي» لمصر. وآخر طائرة «أف - 16» قيد التعاقد سيجرى تسليمها في 2013 لتنضم إلى 240 مقاتلة اشترتها مصر بالفعل وفقاً ل «لوكهيد مارتن» أكبر مورّد للمعدّات العسكرية ل «البنتاغون» من حيث حجم المبيعات. - كانت مصر أول دولة عربية تشتري المقاتلة «أف - 16» التي ينظر إليها على نطاق واسع على انها رمز للروابط السياسية والأمنية مع الولاياتالمتحدة. - أمدّت الولاياتالمتحدة مصر أيضاً بطائرات هليكوبتر للنقل من نوع «تشينوك - سي أتش - 47 دي» من صنع شركة «بوينغ» وطائرات «هوك اي» للسيطرة والإنذار المبكر وأنظمة «باتريوت» للدفاع الجوي من صنع «لوكهيد» و «رايثيون». - يُنفق جزء من المعونة الاقتصادية الأميركية على برامج لدعم الديموقراطية في مصر وهي سياسة أثارت جدلاً في الأعوام القليلة الماضية. وقال جيريمي شارب من مكتب أبحاث الكونغرس في تقرير جرى تحديثه في 28 كانون الثاني (يناير): «من حيث المبدأ ترفض الحكومة المصرية المساعدة الأميركية لأنشطة دعم الديموقراطية على رغم أنها قبلت على مضض قدراً محدوداً من البرامج».