السحابة السوداء التي غطت سماء القاهرة صباح أمس كانت تحمل معها مستقبلاً مجهولاً ينتظر بلداً «عاش ليلة بلا حكومة». كان الدخان يتصاعد بكثافة من مبنى ألسنة اللهب مشتعلة في داخله. كثافة الدخان لا تسمح بتحديده إلا مع تتبعها. إنه المجمع الذي يضم المقر الرئيسي للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي ناله القدر الأكبر من الدمار، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس الأعلى للصحافة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. في محيط هذه المقرات وقف مواطنون غاضبون يشاهدون هذا الدمار. نادى بعضهم بصوت عال: «هذه ممتلكاتنا يجب أن نحافظ عليها، من يجد شيئاً سليماً يذهب به إلى أقرب مسجد». بوابة التفتيش الإلكترونية عند مدخل الحزب الحاكم مدمرة، وكذلك مكاتب ووثائق الحزب مبعثرة في كل مكان. أوراق تتطاير من نوافذ الحزب والمجلس القومي للمرأة والمجلس الأعلى للصحافة. المباني تنهار حوائطها من شدة الاحتراق. والناس تصرخ بحثاً عن عربات إطفاء لإنقاذ المبنى، لكن عربات الإطفاء الموجودة في وحدة المطافئ المخصصة لتأمين الحزب كانت محترقة هي الأخرى، ولا وجود لأي من أفراد الشرطة ولا حتى الجيش المنتشر في محيط ميدان التحرير والمهتم بتأمين المتحف المصري المجاور. ظل مقر الحزب الحاكم قبل اندلاع «انتفاضة الغضب» رمزاً للحكم يضم مكاتب كبار السياسيين وفي دهاليزه صُنعت سياسات «فجرت غضب الجماهير». خلف الدخان الكثيف لافتة عالية حملت شعار المؤتمر السنوي السابع للحزب الحاكم الذي عقد الشهر الماضي كُتب عليها «صوتك للوطني... علشان تطمن على مستقبل أولادك». استفزت هذه اللافتة الجماهير المحتشدة في الساحة المواجهة لمقر الحزب بعضهم يطالب بإسقاطها وآخرون يؤكدون أن هذه الأشياء «ملك للشعب، ويكفي ما دُمّر»، لكن الكل متفق على أن «الحزب سقط». ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود عيان ان محتجين في محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر أحرقوا مقر الحزب الوطني في مدينة ادفو واقتحموا مقر البنك الأهلي المصري في مدينة كوم امبو. وقال شاهد: «النار أكلت مقر الحزب الوطني». وقال شاهد في كوم امبو إن المحتجين حطموا واجهة مقر البنك الأهلي المصري قبل اقتحامه. وفي وقت لاحق، قدّم أمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز استقالته من موقعه في الحزب، وفق ما ذكر التلفزيون المصري الذي أكد أن استقالته قُبلت وأنها تأتي في اطار الاصلاحات التي يعتزم الرئيس المصري حسني مبارك القيام بها. وأشارت وكالة «فرانس برس» إلى أن عز ملياردير مقرب من نجل الرئيس جمال مبارك، ويعتقد المصريون أنه اصبح منذ بضع سنوات الرجل القوي في النظام وصاحب اوسع نفوذ فيه بعد الرئيس ونجله. ويتهمه المصريون بتكوين ثروته من الفساد واستغلال النفوذ.