لم يخطر ببال محمد هزازي، الذي يقود حافلة تنقل طالبات كلية التربية التابعة لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، أن الرعب سيهدُّه تماماً على مدى 14 ساعة قضاها بصحبة 12 من الطالبات داخل حافلتهن التي طوقتها المياه وهددت مراراً بجرفها أو إغراقها. قال هزازي ل«الحياة»: «اجتاح الطالبات هلع ورعب شديدان بعد مشاهدتهن المياه تجرف السيارات الصغيرة، فتعالت صرخاتهن، وكانت المياه منعت حافلتهن من الخروج من مناطق تجمع وجريان مخلفات الأمطار والسيول. تسببت صرخات الطالبات اللاتي أنقلهن في إزعاجي فلم أستطع التركيز. وزادني ارتباكاً الخوف من أن أي خطر قد ينزل بإحداهن سأتحمل وحدي تبعاته. وفور علمهن بصعوبة وصول المنقذين إلينا، دخلن في هستيريا وتشنجات. وبدأن في العويل تارة، والصراخ تارة أخرى، بعدما أخبرهن مسؤول في الدفاع المدني بعث ولي أمر إحداهن رقمه الهاتفي إلى ابنته التي حددت له موقعنا بأن الوصول إلينا ضرب من المستحيل». حاولت حافلة نقل الطالبات الفكاك من الزحام الشديد والمياه الجارية والطرق الغارقة في أحياء «الرحاب» و«أم الخير» وطريقي «فلسطين»و«المدينة»، من دون جدوى. وما إن تعالت أصوات المؤذنين عصراً، حتى شكا سائق الحافلة المغلوب على أمره حاله لمواطن مرّ بجوار الحافلة العالقة، فبادر الأخير إلى الترحيب باستضافتهن في منزل والدته التي كانت تنتظر هي الأخرى ابنتها المحتجزة في قسم الطالبات بالجامعة. وبعد نحو نصف ساعة داخل المنزل، قررت الطالبات مواصلة مشوار الرعب مع سائقهن، فلربما انخفض منسوب المياه في الطرق والشوارع خلال الساعات الأربع الماضية، لكن ذلك لم يحدث، فقد زاد عدد السيارات المعطلة في الطرق الغارقة. وانهمر شلال اتصالات أولياء أمور الطالبات على هزازي، الذي قال: «حملني ذووهن مسؤولية بناتهم، وألقوا علي وابلاً من النصائح والإرشادات. وبعد رحلة دامت ثلاث ساعات منذ انطلاقنا من منزل السيدة التي استضافتنا، أوقفت حافلتي جوار مسجد نزلت الطالبات إلى قسم النساء فيه، حيث أكلن وشربن واسترحن قليلاً». وأضاف هزازي أن أحاديث الطالبات اثناء الاحتجاز دارت حول الموت والخوف والاحتجاز وتذكر كارثة سيول 2009، ولوم إدارة الجامعة على طلبها حضورهن في هذا اليوم الماطر، كما أبدين قلقهن من الرعب الذي ستعيشه أسرهن أثناء احتجازهن، وهل سيصلن أحياء أم لا، كما تحدثن عن التخطيط السيئ لمدينة جدة وسوء التصريف، وعدم التنظيم في أوقات الكوارث، وعدم محاسبة المقصرين، «إلى أن أوصلتهن لمنازلهن فجر الخميس»!