أْطلُبْ من خريج جامعي أن يدون قائمة بمن يعرف من مثقفي ومبدعي بلده، حاول أن تطرح عليه، إن عجز في استحضار بعض الأسماء لحظة السؤال، بعض القامات الوطنية، واستمع لما يعرفه عنها، قد تأخذك الدهشة حين يثبت لك بالفعل أن جيلاً بالكامل تغيب عن ذاكرته تماماً رموز وطنه في الأدب والثقافة، وأن عرف بعض الأسماء فمعرفة يشوبها نقص صريح وجهل واضح. هذا الجيل مقدر له بفعل فاعل أن يستعيض عن جملة الرموز بمشاهير الرياضة والفن وعشاق الصياح والترزز، ومتوقع منه دوماً أن تصرعه قصات الشعر، وتذيبه الموضات المتجددة، ويقفز مع كل حال طربية مستوردة، وقد يكون الفاعل متسمراً منذ زمن، مع الأسف، كي يغيب رموزنا الوطنية الثقافية والأدبية عن قصد وجهل، ولا يحب أن تظهر هذه الأسماء، بل يجاهد من أجل ألا يظهر لها نص أدبي واحد، أو تمر معزوفة شعرية فاخرة منها على الأسماع، ويقاتل حتى لا يعلو لها صوت. «سيد البيد» رحل قبل أيام وقدم للساحة الأدبية نصوصاً شعرية فاخرة، يرددها عشاق الشعر وهواته من دون أن يتيقن بعضهم بالضبط عمن يقف خلف هذا التنفس الشعري، ويملك شرعية النص والحرف؟ يجهل جيل هذه الأيام المتوثب أن «سيد البيد» مواطن سعودي برتبة شاعر حقيقي يدعى «محمد عواض الثبيتي». مأساة حقيقية أن يعيش جيل كامل من دون أن يعرف رموزه ومثقفيه «الأحياء على الأقل»، وتكبر المأساة في ما لو واصل المتخلفون والمتسمرون تغييب رموز الثقافة والأدب وتهميشها، على أن شاعرنا المثقف الراحل لم يعرف أن إظهار صوته وصورته تحتاج لكثير من النفاق والعناق وهو عاش بمبادئ لم يحتمل أن يتنازل عنها شبراً واحداً. يحدث أن ننجذب إلى دول الجوار ونحفظ أسماء المثقفين والأدباء والمبدعين ونبحث عن نصوصهم، وبيننا شعراء وأدباء عمالقة يتنافس البعيدون على الاستماع لهم والاقتراب منهم ونشر إبداعاتهم وملء الأرواح بجمالهم وحروفهم، يقدرهم البعيدون ويحتفون بهم، يضعونهم على رؤوسهم، ولا يخجلون من أن يكون نتاجهم ونصوصهم في كتبهم المدرسية وصحفهم اليومية ومجلاتهم الثقافية، وينتظرون أحرفهم المكتوبة بفارغ الصبر. لم أتجاوز جهل الجيل بمثقفيه إلى إنسانية جزء من الجيل السابق الملاصق للمثقف الراحل، لأني لا أرغب في مزيد من الجراح حين أثبت الصراع مع الموت أن جيل «سيد البيد» لم يعرف الوفاء معه وتركه وحيداً برفقة المرض والبوح سراً، على رغم أنه فتح شرفات قلبه لهم، وهم من كان ينتظر اللحظة لا الدقيقة التي يلتقطهم فيها فلاش ضوئي بجانبه. سيد البيد «محمد عواض الثبيتي» أقسم أن لك محبين وعشاقاً ورثوا منك صوتاً طرياً شجياً، وعلموا أنك تفوح عطراً وشعراً، «تعل المطايا وتصب لنا وطناً في عيون الصبايا»، وسيداً للبيد والقصيد والجراح العظيمة. وها هو «محمد الثبيتي» ترجل، وغادر حياة ملأنا فيها جمالاً وسقى قلوباً موجوعة بالظمأ، فهل سنقرأ له نصاً شعرياً في منهج مدرسي، أم أن ذائقتنا الأدبية مصرة على واحد من الوجعين القديمين المتجددين «الجمال لا يكتبه مواطن سعودي»، أو «الجمال السعودي لا يكتشف إلا بالموت»! [email protected]