رجّح الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي أمس أن يسعى الى تأليف حكومة تكنوقراط، في اليوم الأول لاستشاراته مع الكتل النيابية، في ظل اتجاه كتله «المستقبل» النيابية وحلفائها الى عدم المشاركة في حكومته التي واظبوا على وصفها بأنها حكومة يقودها «حزب الله» أسوة بوصفهم ميقاتي نفسه بأنه مرشح الحزب. وإذ عرض ميقاتي أمس مطالب الكتل النيابية، في عملية التشاور معها التي تنتهي اليوم، فإن الانقسام السياسي بين فريقي الأزمة السياسية بقي على حاله خلال الاستشارات. ومع أن كتلة نواب «حزب الله» دعت الى قيام «حكومة شراكة وطنية وإنقاذ وطني»، فإن رؤساء الكتل النيابية الأخرى التي حملت ميقاتي الى رئاسة الحكومة لم يترددوا في القول إن الحكومة ستكون حكومة اللون الواحد مثل رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وغيرهما، فيما طرحت كتلة «المستقبل» وكتل أخرى من قوى 14 آذار مجموعة أسئلة على ميقاتي، في شأن ما تنويه حكومته، في ظل قرارها عدم المشاركة فيها، تمحورت حول موقفه من إلغاء تعاون لبنان مع المحكمة الدولية كما تطالب قوى 8 آذار ومن مسألة نزع السلاح خارج إطار سلاح المقاومة. وفيما كانت الاستشارات تأخذ مداها في مبنى البرلمان، فإن تعقيدات الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان بقيت مدار اهتمام خارجي، فأبلغ مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان «الحياة» في باريس حيث أجرى محادثات حول لبنان مع المسؤولين الفرنسيين أثناء مروره بها، أن بلاده ودولاً أخرى مهتمة بالتعاون مع حكومة لبنانية ملتزمة بقوة بقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، خصوصاً أن لبنان عضو في مجلس الأمن، وقال إن من المهم أن يعرف لبنان توقعات الأسرة الدولية منه. وفيما جرى اتصال بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ورئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني للتشاور حول لبنان، فإن بن جاسم زار باريس والتقى مساء أمس الرئيس نيكولا ساركوزي، ليعلن بعد اللقاء الغاء اجتماع كان مقرراً في العاصمة الفرنسية بمشاركة مدراء وزارات الخارجية في كل من فرنساوالولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر وتركيا وروسيا، لأنه «لا يقدم شيئاً جديدا». وزارت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي الرئيس ميقاتي لإبلاغه الموقف نفسه الذي أعلنه فيلتمان وأكدت استمرار بلادها في دعم المحكمة واستقرار لبنان. وهي زارت مساء رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وناقشت معه الاستشارات النيابية وموقف تيار «المستقبل» منها وأشادت بقيادته والتزامه بالدفاع عن سيادة لبنان واستقراره خلال فترة ولايته. وشددت على «إرادة الولاياتالمتحدة المتواصلة التعاون التام مع الرئيس الحريري وحكومته في تصريف الأعمال على العديد من القضايا ذات الأهمية المشتركة للبنان والولاياتالمتحدة». وأعادت السفيرة كونيللي التأكيد أيضاً على دعم الولاياتالمتحدة لاستقرار لبنان واستقلاله وسيادته، وكذلك دعمها للمحكمة الخاصة بلبنان. وقالت مصادر ديبلوماسية ل «الحياة» أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري أجّل زيارة له كانت مقررة لدمشق في الأيام المقبلة. ومن المتوقع أن يلتقي السفير الفرنسي دوني بييتون الرئيس ميقاتي لإبلاغه حرص فرنسا على التزام حكومته القرارات الدولية والمحكمة الخاصة بلبنان. وفي المقابل قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن «ما يحيّرنا أنه عندما نقول إننا لا نريد أن نتدخل، نسمع محاضرات عن احترام سيادة لبنان واستقلاله ونحن نريد من الآخرين الذين يدعوننا الى احترام سيادة لبنان واستقلاله أن يمارسوا هذا الاحترام». واعتبر أن العلاقة بين سورية والسعودية طيبة وجيدة «ونأمل بأن تتطور وتتعمق أكثر». وأشار الى أن ما جرى في لبنان عملية تتفق مع الأصول الدستورية اللبنانية. وبالعودة الى الاستشارات، كان لافتاً أن كتلة نواب حزب الكتائب أبقت موضوع مشاركة الحزب في الحكومة مفتوحاً للحوار خلافاً للكتل الأخرى في قوى 14 آذار. وتُرجم التوتر الذي تسببه الأزمة السياسية بسجال حول أسئلة كتلة «المستقبل» لميقاتي والتي أعلنها رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، فرد عليه النائب في كتلة بري، النائب علي حسن خليل. وسأل السينورة ميقاتي إذا كان سيلتزم برفض فك التزام المحكمة الخاصة بلبنان وعدم إدراج أي من المواضيع المتعلقة بذلك على مجلس الوزراء وعما إذا كان يلتزم وضع خطة زمنية لجمع السلاح ما عدا سلاح المقاومة الموجه الى إسرائيل وعما إذا كان يلتزم قرارات مؤتمر الحوار الوطني. واعتبر النائب خليل أن أسئلة السنيورة تعجيزية وأنه هدفها التنصل من الالتزام الوطني وسأل عن التزام الرئيس الحريري بما توصلت إليه المبادرة السعودية - السورية، وردّ النائب في «المستقبل» عمار حوري مساء على الأخير سائلاً: «هل وصل الأمر الى هذه الحدود من العجرفة والوصاية السياسية وضيق الصدر ليتنطح النائب المذكور منصّباً نفسه ناطقاً باسم الرئيس المكلف؟». وقالت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل» ل «الحياة» إن الاجتماع الذي عقد أمس بين ميقاتي والحريري في إطار المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف كان أهدأ من الاجتماع الذي عقد بينهما أول من أمس في «بيت الوسط» لكنه لم يبدل من الموقف السياسي للحريري. وأوضحت المصادر نفسها أن الحريري أكد لميقاتي أن ما قبل التكليف غيره ما بعد التكليف، وأنه بالتالي في حِلّ من الأفكار التي تم التداول فيها بين المملكة العربية السعودية وسورية، خصوصاً بعد إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سحب يده من دون أن ينسحب من لبنان، وتأكيد حرصه الشديد على استقراره وأمنه ومساعدته. ولفتت الى أن الحريري كان واضحاً في عدم التزامه أو تعهده بأي من الأفكار، سواء في خصوص المحكمة الدولية أم غيرها. وبالنسبة الى لقاء ميقاتي مع عدد من نواب كتلة «المستقبل» برئاسة السنيورة، قالت المصادر أنه جرى بحث في المذكرة التي سلمها وفد الكتلة لميقاتي الذي نقل عنه قوله في جوابه على البند المتعلق بالمحكمة الدولية، أن «هذا البند لا يزال نقطة اختلاف بين اللبنانيين وأنتم لديكم وجهة نظر وللفريق الآخر وجهة نظره وهذا ما كنت أقصده عندما قلت في أكثر من مناسبة أن المواضيع الخلافية يجب أن تكون مادة للحوار، وأنا من جهتي لم أتعهد لأي طرف بأي موقف من المحكمة لأنني أعتقد بأنه في حاجة الى إجماع وطني لبناني وإلى احتضان عربي ومن دونهما لا يمكن التوصل الى مخرج». وقيل لميقاتي: «هل الإجماع اللبناني المطلوب يتأمن من خلال حكومة يمكن أن تتشكل من لون واحد؟». فأجاب: «إن ما أقصده بالإجماع الوصول الى تفاهم يحظى بموافقة الجميع». وأضاف، كما قال أحد النواب ل «الحياة»: «أنا أرفض، كما رفض الرئيس السنيورة، أن أخضع لفحص دم وطني من هذا الفريق أو ذاك». وأيّد ميقاتي ما ورد في المذكرة في شأن تطبيق اتفاق الطائف من دون استنسابية والالتزام بما نص عليه مؤتمر الحوار الوطني الأول بخصوص جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه وتنظيمه في داخلها. كما أيّد مطالبة «المستقبل» بوجوب بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها ونزع السلاح غير الشرعي والاستقواء به لأغراض سياسية. وقبل أن ينتهي اللقاء، سأل أحد النواب ميقاتي عن صحة ما يتردد عن أن عملية تأليف الحكومة تتم في الخارج، فأجاب: «هذا ليس صحيحاً وسترون لاحقاً». وفي هذا السياق أكد ميقاتي أنه ضد التشفي والكيدية وأن لا مكان لهما في رئاسة الحكومة وبالتالي لن يتكرر ما حصل بعد انتخاب العماد إميل لحود رئيساً عام 1998، لكن أحد النواب عاد وذكّر بكل ما أقدم عليه الفريق الآخر من تعطيل لجلسات الوزراء واللجوء الى استخدام السلاح وشلّ البلد والاستقالة من الحكومة وسأل: ألا يشكل كل ذلك مخالفة لما نص عليه اتفاق الدوحة؟