تجددت الاشتباكات بين متظاهرين غاضبين وأفراد الشرطة في وسط العاصمة المصرية ومحافظات عدة أمس، على رغم حظر وزارة الداخلية التجمعات وتحذيرها من «عواقب استثارة البسطاء ومحاولة فتح الباب أمام حال الفوضى». وقالت مصادر أمنية إن ما لا يقل عن 900 شخص اعتقلوا في مناطق مصرية مختلفة بعد «يوم الغضب» الذي نظّمه معارضون يوم الثلثاء. وقال رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف أمس إن الحكومة ملتزمة بالسماح بحرية التعبير بالوسائل المشروعة وإن الشرطة التزمت بضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات. ونسبت وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى نظيف قوله إن «الحكومة (حريصة) على ضمان حرية التعبير من خلال الوسائل المشروعة». ونجح الآلاف في التجمع أمس أمام نقابة الصحافيين ودار القضاء العالي في وسط القاهرة، على رغم الوجود الأمني الكثيف، فيما منعت أجهزة الأمن أي تجمعات في ميدان التحرير الذي كان شهد «مواجهات دامية» بين متظاهرين وقوات الأمن استمرت حتى ساعة مبكرة من صباح أمس لفض اعتصام نفذه آلاف للمطالبة ب «إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة». وقالت مصادر رسمية إن أجهزة الأمن اعتقلت أمس 105 ناشطين حاولوا التجمع في قلب العاصمة، فيما تحدثت جماعة «الإخوان المسلمين» عن اعتقال 140 من شبابها خلال اليومين الماضيين. وأشارت مصادر أمنية إلى أن أفراد الشرطة أوقفوا عشرات الناشطين فور وصولهم إلى ميدان التحرير في مجموعات صغيرة متفرقة قبل انضمامهم إلى بعضهم بعضاً، ولفتت إلى إحالة الموقوفين على النيابة العامة لمباشرة التحقيق. وفي تطور لافت للأحداث التي بدأت ظهر الثلثاء، انضم محامون مصريون إلى متظاهرين من الصحافيين أمام نقابتهم (المحامين والصحافيين) بشارع عبدالخالق ثروت (وسط القاهرة) قبل أن يتجمع هؤلاء مع نحو ألفي ناشط تظاهروا أمام دار القضاء العالي. وسعى المحتجون إلى الخروج من السياج الأمني الذي ضربته الشرطة منذ الساعات الأولى للصباح، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات بينهم وبين قوات الشرطة التي اعتقلت عشرات النشطاء، فيما احتجزت عدداً من الصحافيين بينهم مقرر لجنة الحريات في نقابة الصحافيين القيادي الإخواني البارز محمد عبد القدوس قبل أن يؤكد نقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد إطلاق سراحهم. كما أعلنت صحيفة «الغارديان» البريطانية توقيف مراسلها جاك شنكر وتعرضه للضرب قبل الإفراج عنه لاحقاً. وهو كان يغطّي الاعتصام في ميدان التحرير. وتجددت التظاهرات في محافظات الإسكندريةوالسويس وأسيوط والمنوفية وسيناء التي شهدت قطع طرق عدة، كما شهدت كل هذه المناطق اشتباكات بين الأمن والمحتجين أسفرت عن إصابات واعتقال العشرات. ووقع أعنف تلك المواجهات في قرية سوق الثلثاء في محافظة كفر الشيخ الساحلية (شمال القاهرة). ونقلت وكالة «رويترز» عن شاهد إن قوات الأمن حاصرت القرية وضربتها بالقنابل المسيلة للدموع. وأضاف في اتصال هاتفي أن محاصرة القرية تلت دعوة سكانها من مكبرات صوت في مساجد إلى قطع الطريق الدولي القريب منها في نطاق الاحتجاجات في «يوم الغضب». وأضاف الشاهد أن قوات الأمن تمنع دخول القرية حتى للصحافيين. ويسكن القرية نحو عشرة آلاف نسمة وتؤيد غالبية ناخبيها عضو مجلس الشعب السابق ووكيل مؤسسي حزب الكرامة العربية الناصري الاتجاه حمدين صباحي الذي قال إن الانتخابات التي أجريت قبل شهور زورت ضده. وكان المحتجون في مدينة بلطيم (التي تقع سوق الثلثاء بالقرب منها) حطموا الواجهة الزجاجية لمعرض سيارات لوجود صورة للرئيس مبارك عليها، كما حطموا سيارة إسعاف وسيارتي شرطة. وأطلقت دعوات جديدة لتنظيم تظاهرات يوم الجمعة المقبل واستغلال صلاة الجمعة للخروج من المساجد إلى الشوارع في تجمعات حاشدة. وحُجب أمس موقع «فيسبوك» الاجتماعي على الإنترنت الذي كان شرارة البدء في التجمعات الحاشدة التي هزت القاهرة أول من أمس وفرقتها وزارة الداخلية في ساعة مبكرة من صباح أمس بالقوة. كما استمر حجب موقع «تويتر»، ومنعت السلطات توقف قطارات مترو الأنفاق في محطة أنور السادات في ميدان التحرير. ولوحظ أن قوات الأمن انتشرت بكثافة في وسط القاهرة وأحاط آلاف من الجنود النظاميين بالميادين الرئيسية، كما انتشر المئات من قوات الأمن بزي مدني في مختلف مناطق العاصمة المصرية ومنعوا أي فرد من الوجود في منطقة ميدان التحرير التي شهدت مساء أول من أمس مواجهات «دامية» استمرت أكثر من ساعتين لفض الاعتصام الحاشد. وتوفي أمس مصري رابع متأثراً بجروح أصيب بها أثناء فض الشرطة التظاهرات في مدينة السويس، إذ لفظ غريب عبدالعزيز عبداللطيف (45 سنة) أنفاسه الأخيرة في مستشفى في السويس إثر إصابته بطلق مطاطي. ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود عيان في السويس أن مئات المحتجين تجمعوا أمام مشرحة في المدينة توجد بها جثة محتج ورددوا هتافات مناوئة لقوات الأمن. وذكرت مصادر أمنية وسكان أن جثتي محتجين آخرين قُتلا أول من أمس دفنتا في الساعات الأولى من صباح أمس تحت حراسة الشرطة بحضور أفراد من أسرتيهما. وقال شاهد إن اشتباكاً بالأيدي وقع بين الشرطة وأقارب القتيل الثالث. ووصفت وزارة الداخلية في بيان أمس الاحتجاجات التي أوقعت أربعة قتلى (رجل أمن وثلاثة محتجين) بأنها «أعمال شغب وتجمهر تخالف القانون، أحدثت شللاً مرورياً في العاصمة وإتلاف المنشآت والتعدي على ضباط الشرطة ورجال الأمن، في مقابل التزام الشرطة ضبط النفس إلى أقصى حد أمام تلك الأعمال». وحذرت الوزارة بلهجة حازمة من تنظيم أي مسيرات أو تظاهرات جديدة في ضوء ما أسفرت عنه الاحتجاجات، مشيرة إلى أنها ستتخذ الإجراءات القانونية حيالهم، داعية جموع المواطنين إلى عدم الانسياق وراء «محاولات الفرقة وإشاعة الفوضى». وذكر البيان أن فض التجمهر في ميدان التحرير بالغاز المسيل للدموع «جاء إزاء إصرار المتجمهرين على الاستمرار في تحركهم، وعدم الاستجابة للنصح والتحذير بالالتزام بالسبل القانونية». وأضاف: «تأكد إعداد المتجمهرين لتصعيد التحرك واستدعاء مجموعات أخرى من المرتبطين بهم وعلى نحو يتجاوز مظهر الاحتجاج إلى التمادي في أعمال الشغب ومحاولة إحداث شلل في الحركة المرورية بالعاصمة وهو ما يجرد التحرك من دعاوى كونه تحركاً سلمياً». وأوضح أن الحصر المبدئي للإصابات من رجال الشرطة أظهر إصابة 18 ضابطاً أحدهم في حالة فقدان وعي، وإصابة 85 من أفراد الشرطة توفي أحدهم. وبدأت النيابة العامة تحقيقات موسعة مع مئات من المتظاهرين الذين ألقي القبض عليهم خلال الاحتجاجات بتهمة «إثارة الشغب»، وذلك أمام 9 نيابات متفرقة في محافظات القاهرة والجيزة والمحلة والسويسوالإسكندرية وبورسعيد والمنصورة والبحيرة والإسماعيلية. ويواجه المتهمون عدداً من الاتهامات من بينها «القتل والشروع فيه مع سبق الإصرار، والتجمهر والتظاهر ومقاومة السلطات وإتلاف عدد من المنشآت العامة والخاصة». وتضمنت قوائم أسماء الموقوفين أبناء شخصيات معارضة بارزة شاركت في الاحتجاجات، من بينهم نجل مؤسس حزب «الغد» أيمن نور، ونجل القيادي الإخواني المعروف جمال حشمت إلى جانب العشرات من المنتمين لحركات «6 أبريل» و «الجمعية الوطنية للتغيير» وحزب «الغد» وحركة «كفاية» وجماعة «الإخوان المسلمين» التي ألقت وزارة الداخلية باللائمة الكبرى عليها في اندلاع تلك الأحداث. وقال موقع «تويتر» تعقيباً على حجبه: «نعتقد أن التبادل الحر للمعلومات ووجهات النظر يفيد المجتمعات ويساعد الحكومات على التواصل في شكل أفضل مع شعوبها». وفي أول تعليق له على أحداث الثلثاء، قال الحزب الوطني الديموقراطي (الحاكم) إنه يتابع الأحداث باهتمام، مؤكداً احترامه للحق في التعبير عن الرأي باعتباره حقاً دستورياً وقانونياً، معتبراً أن التظاهرات «جزء من عملية التطور الديموقراطي الذي يؤمن به الحزب»، مشيراً إلى أن حزب الغالبية «يتسع صدره لمطالب الشباب ويتفهمها، وتتبنى سياساته العمل على إيجاد حلول لها وسوف يستمر الحزب في التزامه بذلك». لكن «الوطني» أكد أيضاً رفضه اللجوء إلى العنف وتخريب الممتلكات والإخلال بأمن المجتمع، ورفضه دعوات «التحريض والإثارة» التي تقوم بها جماعة الإخوان (المحظورة قانوناً) وعدد من الأحزاب التي ليس لها وجود شعبي أو ثقل جماهيري، وتهدف لاستغلال الشباب لتحقيق أجندات الفوضى التي رفضها الشعب». وقال رئيس المكتب السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين» عصام العريان ل «الحياة» إن «الجماعة تتشاور مع القوى السياسية المختلفة لتحديد طبيعة التحرك المقبل (...) سنكون معاً في حركة سياسية موحدة لمواجهة المأزق». ونفى أن تكون جماعته المحرك الرئيسي للاحتجاجات، وقال: «تجاوبنا مثل غيرنا مع الدعوة، وشبابنا كان عليه عبء كبير، فحضورهم كان موجوداً كمصريين لا كأعضاء في الإخوان»، معتبراً أن تحميل الإخوان مسؤولية الأحداث «سياسة قديمة». وفي بروكسيل (أ ف ب)، قالت الناطقة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون الأربعاء إن الاحتجاجات في مصر تظهر «الرغبة في التغيير السياسي» كما أنها «مؤشر» على تطلعات العديد من المصريين عقب أحداث تونس. وقالت الناطقة مايا كوتسيانشيتش في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه إن «الاتحاد الأوروبي يتابع عن كثب التظاهرات التي تجري حالياً في القاهرة ويعتبرها مؤشراً على تطلعات العديد من المصريين في أعقاب أحداث تونس». وتابع البيان انه مع تجمع آلاف المصريين في الشوارع «للإعلان عن رغبتهم في التغيير السياسي» فإن الاتحاد الأوروبي يدعو السلطات المصرية إلى احترام وحماية حق المواطنين في التعبير عن تطلعاتهم من خلال تظاهرات سلمية. كما حض الاتحاد الذي يضم 27 بلداً، القاهرة على «الانتباه الى رغبتهم (المصريين) المشروعة في وجود تحرك سياسي لمعالجة المشاكل التي تؤثر في حياتهم اليومية».