«المصرية في الفن» هو عنوان المعرض المقام حالياً في قاعة «بيكاسو» في القاهرة لأعمال الفنان المصري عبدالوهاب مرسي الذي يعتبر من الفنانين المؤمنين بقيمة الهوية الوطنية في الفن. لعبت الظروف دوراً بارزاً في تشكيل السمات الرئيسة في تجربة مرسي وترسيخ قناعته تلك، عبر أكثر من خمسين سنة، إذ جاء تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام 1957 في فترة مشحونة بالروح الوطنية والمد القومي، ومقاومة المحتل، ما كان له أثر في إبداعاته خلال السنوات التي تلت تخرجه وطوال حقبة الستينات. وظل هذا الانتماء الوجداني الوطني في لوحات مرسي مستمراً وثابتاً رغم تغير الأحوال. فكان صلباً في دفاعه عن الهوية والانتماء في فنه، رافضاً الذوبان في بوتقة العولمة، مؤمناً في الوقت نفسه بقيمة ما يقدمه من إبداعات تتلمّس قدر المستطاع تلك السمات الخاصة التي تميزه كفنان مصري وعربي عن الآخرين. وحالفه الحظ في ذلك كثيراً، فإلى جانب هذا المدّ الوطني والقومي الذي غرس بذور الانتماء في نفسه في بداية تجربته، فإنه كان على موعد آخر مع أحد أبرز تجليات هذه الهوية التي يتمسك بها، إذ قُدر له الاقتراب من الفن المصري القديم خلال عمله في مركز تسجيل الآثار المصرية لمدة 18 سنة. وهكذا مثَل الموروث الفني القديم بروافده المختلفة ملهماً لإبداعاته، ومحدداً لمعالم تجربته الفنية الممتدة من منتصف الخمسينات وحتى اليوم. ظلت أعمال عبدالوهاب مرسي تشي بهذا الموروث من دون الوقوع في شرك التقليد أو الاستلهام السطحي. فكان ولا يزال يغترف من روحه وسياقه الفني ما يخدم تجربته ورؤيته ويعصمه من الذوبان في بوتقة العولمة الشريرة، كما يقول. وفي طريق بحثه ابتدع عبدالوهاب مرسي مفردات وعناصر ميزت أعماله حتى بات من الصعب أن تخطئها العين. يعتمد الفنان عبدالوهاب مرسي على التجريد والتلخيص في صوغ أعماله ذات الطبيعة البنائية المحكمة. وهو يمزج بين المساحات والخطوط الهندسية والأشكال والعناصر العضوية، متنقلاً بين درجات اللون في سلاسة وخفة. وهو لا يعتمد على المثيرات البصرية وحدها بل يعمد إلى إثارة عين المشاهد وبصيرته أيضاً بتلك الملامس والتقاطعات الخشنة على السطح. هذه الملامس التي تعد أحد تجليات تأثره بالفنون المصرية القديمة التي امتزجت فيها المنحوتات البارزة والغائرة بالرسوم الملونة على جدران المعابد والمقابر الفرعونية، حتى أن تأثره بذلك السطح الحجري دفعه في فترة من الفترات إلى استحداث نوع جديد من التشكيل عرف به وقدم نماذج منه في معرضه المقام حالياً في القاهرة. فقد ابتكر طريقة للتشكيل بالرمال يعتمد فيها على الغائر والبارز من دون استخدام اللون. وعن أعماله يقول الناقد الراحل كمال الملاخ: «إن عبدالوهاب مرسي وألوانه التي يسكبها من طريق الحفر والتصوير إنما تعكس ذلك المزيج العجيب الساحر الأخاذ مع عبق الماضي وتراثه مهما اختلفت مراحله. إنك ترى في لوحاته ورسومه وألوانه مصر بجلال تاريخها وحضارتها سواء فرعونية أو إسلامية. فيها تلعب خيالاته بحروف الكتابة وأشكال الحيوان والطائر قبل الإنسان، ما يجمعها في لوحة واحدة تنقلك في لحظة واحدة لتعيش الماضي مع الحاضر». عرضت أعمال مرسي في معظم العواصم العربية والأوروبية وحصل على جوائز عدة عن مشاركاته الدولية المختلفة، منها بينالي الإسكندرية عام 1970، وبينالي برشلونة الدولي عام 1971. وتعرض أعماله في شكل دائم في متحف الفن المصري الحديث في القاهرة.