أقر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن فرنسا قللت من شأن التطورات التي أدت إلى رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، لكنه أكد أنه لم يكن بوسعها تجاهل «وزن التاريخ» وكونها المستعمر السابق للإدلاء بأحكام على شأن داخلي. وقال ساركوزي خلال مؤتمر صحافي عقده لمناسبة العام الجديد وحضره نحو 300 صحافي إضافة الى أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لدى فرنسا، إن الشعب التونسي شعب شقيق أراد الإمساك بزمام مصيره، ولكن «أياً كانت قناعاتكم، فإنكم تفهمون أن على الرئيس الفرنسي أن يأخذ بوزن التاريخ على صعيد خياراته» حيال دول كانت مستعمرات سابقة. وأضاف أنه من غير الممكن الحديث عن بلد بالحرية نفسها إذا كان هذا البلد «عاش الاستعمار كوزن عليه» وأن «القوة الاستعمارية تبقى غير مخولة الإدلاء بحكم على شأن داخلي يخص مستعمراتها السابقة». وتابع، في ما اعتُبر رداً على الجدل الداخلي الذي تشهده فرنسا في شأن تطورات الأوضاع التونسية، انه «من واجبي التحفظ عندما يتعلق الأمر بدول كانت خاضعة لحكم فرنسا، لأنني لا أريد أن تُعتبر فرنسا دولة تعتمد ردات فعل استعمارية». وأكد تمسكه بهذا التحفظ بالنسبة الى تونس، وكذلك بالنسبة إلى الجزائر وغيرها من الدول التي كانت تحت الحكم الفرنسي، مشيراً الى أنه «يؤخذ عليّ عدم الانخراط في أحداث تونس»، وإلى أن نفس الذين أخذوا عليه ذلك انتقدوا انخراطه في ساحل العاج، على رغم أن الموقف الذي اعتمدته فرنسا «هو موقف الأسرة الدولية». وتابع أنه لو لم يمكن تاريخ فرنسا ما هو عليه في دول شمال أفريقيا «لكانت لي سياسة مختلفة»، قائلاً إن شعب البلد الذي يشعر بأن هناك قوة تتدخل في أموره من الخارج «يجمع قواه كافة ضدها». وأشار إلى أن فرنسا تقوم حالياً بعملية تدقيق منهجية حول الثروات التي تم تهريبها من تونس، والتي ينبغي إعادتها إلى الشعب التونسي. ولفت إلى أن فرنسا استقبلت غالبية المعارضين التونسيين، وبالتالي «كيف يمكن القول إنها لم تساعدهم» على رغم فتحها أبواب البلد أمام كل القوى المعارضة، «وهو ما كان يؤخذ علينا من قبل السلطات التونسية». وتابع أن وجود المعارضين على الأراضي الفرنسية «يعني قبولنا بهم وأيضاً حمايتهم»، مضيفاً أن المعارضين الإسلاميين «هم في لندن لأنني ما كنت لأقبل بوجود بعضهم» في فرنسا. وذكر ساركوزي أن السلطات الفرنسية «تراقب بقلق التطورات في عدد من الدول من دون أن تعطي الانطباع بالترويج لنمط حكومي معين مريح لفرنسا»، مبدياً استعداده لتلبية كافة الطلبات التي تقدمها إليه السلطات التونسيةالجديدة. وعما إذا كان لديه تخوف من تهديد إسلامي في تونس، قال ساركوزي: «يجب أن نثق بالديموقراطية الشابة في هذا البلد»، وأنه عندما «دافعت عن مسيحيي الشرق، فإن الصحافة العربية اعتبرت الأمر تدخلاً في شؤونها»، ولكن «حتى لو كان عليّ إعادة الكرّة لكنت أدليت بالموقف نفسه». ودافع عن موقف وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو ماري التي طالب البعض باستقالتها بسبب اقتراحها تقديم دعم لقوات الأمن التونسية، وقال إنها لم تكن تقصد بذلك دعم نظام الرئيس المخلوع، بل «تجنب المزيد من المآسي» بالنسبة الى المتظاهرين. ولفت ساركوزي إلى أنه يعتزم العمل لدى الاتحاد الأوروبي من أجل أن تحصل تونس قريباً على موقع الشريك المتقدم للاتحاد. ورداً على سؤال حوال الملف الإيراني، أكد مجدداً أن العقوبات «بدأت تسفر عن نتائج»، وأنه ينبغي السعي إلى «تعزيزها»، لافتاً الى أنه لا يزال على رفضه لأي عمل عسكري سواء كان ذلك في إيران أو في ساحل العاج. وشدد ساركوزي على ضرورة اعتماد التشدد والحزم الفائقين حيال الإرهاب، وعدم التساهل إطلاقاً حياله، قائلاً إن الإرهاب والإرهابيين يحتقرون الحياة البشرية ويستهدفون الأبرياء وإن الإرهاب يُغرق الأسر في القلق والألم. وذكر أن الرهائن الفرنسيين الخمسة الذين خُطفوا في النيجر وكذلك الصحافيين الفرنسيين المحتجزين في أفغانستان هم على قيد الحياة.