انتهت الجولة الخامسة من مفاوضات مانهاست غير الرسمية حول الصحراء كما بدأت: كثير من الأمل وقليل من الإنجاز. إلا ان الموفد الدولي كريستوفر روس الذي اختار هذا الأسلوب بهدف الإبقاء على زخم المفاوضات، أقر باستمرار تباعد المواقف بين الطرفين الأساسيين، المغرب وجبهة «بوليساريو»، إزاء تمسّك كل منهما باقتراحه كمرجعية وحيدة لمفاوضات نهائية. وقال روس في ختام الجولة الخامسة إن المفاوضات دارت في أجواء «مشاركة جادة والصرامة والاحترام المتبادل» وعرضت لحزمة اقتراحات وأساليب مبتكرة «لكن أي طرف لم يقبل أن يصبح اقتراح الطرف الآخر أساساً وحيداً للمفاوضات المستقبلية»، في إشارة الى تمسك الوفد المغربي بخيار الحكم الذاتي في مقابل طرح وفد «بوليساريو» العودة إلى خطة الاستفتاء. وأعلن روس، في غضون ذلك، عن جولة سادسة من المفاوضات غير الرسمية في آذار (مارس) المقبل، إضافة إلى الاجتماع الذي تستضيفه جنيف الشهر المقبل بين مندوبي المغرب والجزائر وموريتانيا و «بوليساريو» للبحث في تفعيل خطة تبادل الزيارات بين الأهالي الصحروايين، كونها تساعد في إحراز بعض التقدم في تدابير وإجراءات معاودة بناء الثقة. وكان اتفاق بهذا المعنى أُقر خلال الجولة الثالثة من المفاوضات غير الرسمية، على أساس أن ترعى مفوضية اللاجئين لقاء البحث في الانتقال من الزيارات المتبادلة التي تتم عبر الطائرات إلى إقرار زيارات برية يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الأشخاص المتحدرين من أصول صحراوية. ورجّحت المصادر أن يبحث لقاء جنيف في مسالك الطرقات، اما عبر موريتانيا أو فتح طريق يخترق الجدار الأمني الذي أقامته السنوات المغربية حول المدن والمنشآت الآهلة بالسكان في الصحراء. إلا هذا الخيار يطرح، من وجهة نظر مراقبين، إشكالات تطاول أوضاع المنطقة العازلة التي أقرت الأممالمتحدة منع أي نشاط مدني أو عسكري فيها. ويقول المسؤولون المغاربة إن المنطقة العازلة «ليست حدوداً» وإن إقرارها خضع لاعتبارات استراتيجية تتعلق بفترة الحرب في الصحراء، وإن المغرب اقترح إقامة هذه المنطقة تلافياً لأن تقوم طائراته العسكرية بخرق الأجواء الجزائرية في حال قيامها بأي مطاردة عسكرية لمقاتلي «بوليساريو». واحتج المغرب، في غضون ذلك، على خرق «بوليساريو» القيود الخاصة بوضع المنطقة العازلة. ويُرجّح أن يُلقي الموضوع بظلاله على مسار المفاوضات في حال نظّمت جبهة «بوليساريو» عرضاً عسكرياً في منطقة «تيفارتي» شرق الجدار الأمني، وفق ما هو مقرر. وأكد وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري أن الأفكار التي طُرحت خلال المفاوضات في مانهاست (ضواحي نيويورك) لا تطاول مفهوم الحل السياسي في حد ذاته، وإنما تتعلق بوسائل تفعيل المفاوضات، وتحديداً من خلال إمكان إشراك خبراء وممثلي السكان، والبحث في ملف الثروات الطبيعية للإقليم. وشدد على أن بلاده قامت بجهود أكبر في تنمية المحافظات الصحراوية عبر موارد الدولة وليس من موارد الإقليم الذي يُنظر إليه على أنه غني بالفوسفات. ورجّح بعض المصادر أن يعتلي هذا الملف الواجهة خلال المحادثات المرتقبة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لتجديد اتفاق الصيد الساحلي. ولاحظت المصادر أن الاتفاق منذ إبرامه يشمل كل السواحل المغربية، وضمنها شواطئ الأقاليم الصحراوية. وذهبت أوساط إلى أن الليونة التي انطبع بها الموقف الرسمي الإسباني حيال تطورات قضية الصحراء ترتبط، في جانب منها، بالرغبة في إعداد الأجواء الملائمة لتجديد الاتفاق، بخاصة وأن أسطول الصيد الإسباني يُعتبر المستفيد الرقم واحد من الاتفاق. وسبق للرباط أن هددت مرات عدة بتعليق العمل بالاتفاق في حال استمرار الضغوط الإسبانية. إلى ذلك، فسّرت مصادر ديبلوماسية استمرار الجولات غير الرسمية من مفاوضات الصحراء، على رغم عدم إحراز التقدم الكافي، بأنها تدفع في اتجاه استكشاف آفاق جديدة من خلال تكثيف اللقاءات، كونها تركز على آليات المفاوضات ولم تنتقل بعد الى جوهرها، نتيجة استمرار التناقض القائم. ويصر المغرب على إشراك ممثلين عن السكان الصحراويين في المفاوضات المرتقبة لنزع صفة التمثيل عن جبهة بوليساريو، فيما رفضت الأخيرة إدراج أسماء صحراويين موالين للرباط كأعضاء في الوفد المغربي المفاوض.