تتراجع يوماً بعد يوم المخاوف من تجدد الركود في العالم، لكن الأخطار لا تزال تكمن في مرحلة ما بعد أزمة المال، فيما يستعد السياسيون والمديرون التنفيذيون الأوسع نفوذاً للقاء السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في بلدة دافوس الواقعة في جبال الألب السويسرية. يُتوقّع أن يضم جدول الأعمال العلني والسري للمنتدى الذي يبدأ أعماله الأربعاء، مسائل داهمة، مثل الديون السيادية التي ترهق كواهل الدول الأعضاء في منطقة اليورو، والقلق من فشل الصين في إدارة نموها الاقتصادي المحموم، والارتفاع المتسارع لأسعار المواد الغذائية والسلع حول العالم. سيبحث المشاركون في المنتدى في النتائج المتوقع أن تبدأ في الظهور خلال السنوات المقبلة للإجراءات الاقتصادية المتخذة اليوم، خصوصاً من قبل الدول الرازحة تحت أعباء ديون سيادية وحالات عجز في موازناتها الحكومية، وكذلك التدابير المتوقع أن تتخذها الصين للجم فقاعة عقارية آخذة في النمو إلى جانب مشاكل اقتصادية أخرى متوقعة جراء النمو السريع للناتج المحلي الإجمالي. وسينظر المشاركون في الأضرار التي أصابت العولمة بسبب الأزمة، فمنتداهم، على رغم كل شيء، أحد المؤسسات المؤيدة للعولمة، ولن ينسوا إجراء مراجعة شاملة لأوضاع الاقتصادات الناشئة التي يٌعوَّل عليها لإخراج الاقتصاد العالمي من كبوته وسط تقهقر واضح لدور الاقتصادات المتقدمة في تحديد مساراته. يتوقع منظمو المنتدى مشاركة 2500 شخص تقريباً في اللقاء المقرر لخمسة أيام، بمن فيهم نحو ألف و400 مدير تنفيذي لأبرز شركات العالم. وتشمل النشاطات حلقات نقاش وورش عمل حول قضايا تراوح ما بين المشاكل الاقتصادية الداهمة والمسائل الجيوسياسية من جهة، ومسائل معدة لفئات محدودة من الناس، مثل الاستخدام العلاجي للموسيقى وفن القيادة. لكن المنتدى يبقى فرصة نادرة لالتقاء المديرين التنفيذيين والسياسيين وصناع القرار والمحسنين وقادة المنظمات غير الحكومية. وعلى رغم أن النقاشات العامة تتسم بالسطحية عادة وتكاد تخلو مما يسمن أو يغني من جوع، فإن ما يعول عليه المشاركون يبقى اللقاءات التي يعقدونها مع نظراء لهم من بلدان أخرى وراء أبواب مغلقة. يحمل لقاء هذه السنة العنوان: "معايير مشتركة للواقع الجديد"، وهو يعد بتركيز على مفاهيم عالم ما بعد الأزمة. في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، قال كلاوس شواب، أستاذ الاقتصاد الألماني الذي أسس المنتدى قبل 40 سنة ويتولى رئاسته التنفيذية: "سنركز على تعريف الواقع الجديد ونناقش المعايير المشتركة المطلوبة لجعل التعاون العالمي ممكناً في المرحلة الجديدة هذه". واعتبر تقرير أصدره المنتدى الأسبوع الماضي أيضاً أن أبرز مخاوف المرحلة يتمثّل في احتمال فشل القادة السياسيين والاقتصاديين حول العالم في تحديد المشاكل ومعالجتها. وفيما يفتتح الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف المنتدى بكلمة، تقررت مشاركة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس وزراء اليونان جورج باباندريو، والرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، علماً أن الأخير من الوجوه التي تحضر المنتدى سنوياً، وكان لعب دوراً كبيراً السنة الماضية في جمع مساعدات لمنكوبي زلزال هايتي خلال مشاركته في اللقاء. ومن النجوم المرتقبين في المنتدى هذه السنة، رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه، ووزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر، ووزير التجارة الصيني تشين ديمينغ ورئيس "شركة الاستثمار الصينية" (الصندوق السيادي للعملاق الآسيوي) غاو زيكينغ. ومن أبرز المصرفيين المتوقع حضورهم المدير التنفيذي ل "جاي بي مورغان تشايس" جايمي ديمون، والمدير التنفيذي ل "سيتي غروب" فيكرام بانديت، ورئيس مجلس إدارة "دويتشه بنك" جوزيف أكرمان، والمدير التنفيذي ل "كريدي سويس" برادي دوغان. ومن بين المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، تأكد حضور جون كامبرز من "سيسكو سيستمز"، ومايكل ديل من "ديل"، وكلاوس كلاينفيلد من "ألوكا"، ومهتار كنت من "كوكاكولا". وسيكون حضور كبار المصرفيين لافتاً هذه السنة، فهم غابوا في السنتين الماضيتين، مكتفين بإرسال كبار مساعديهم نيابة عنهم، خوفاً من إغضاب دافعي الضرائب الذين أنقذوا بأموالهم المصارف الكبرى في بلدانهم، تجنباً للتداعيات المحتملة لانهيارها، لا ليروا مديريها التنفيذيين يرفلون في المنتجع السويسري الراقي جداً. وربما رسم المدير التنفيذي ل "باركليز" روبرت دايموند الإطار الذي سيتحرك فيه نظراؤه في المنتدى، فهو قال قبل أيام أمام لجنة مصرفية في البرلمان البريطاني: "كانت ثمة فترة شعرت فيها المصارف بالندم والرغبة في الاعتذار. أظن أن على هذه الفترة أن تنتهي". لكن المصارف لا تبدو أنها أصبحت في منأى عن تحديات مقبلة, كما حاول دايموند أن يوحي. فعلى رغم تقديم الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي رزم إنقاذ لإرلندا واليونان، ومع أن دولاً معرضة لهزات مالية لا تزال صامدة من دون رزم مماثلة، خصوصاً البرتغال وإسبانيا، فإن كل الدول ذات الديون السيادية المرهِقة وحالات العجز المتفاقمة في موازناتها، في حاجة إلى إعادة هيكلة لهذه الديون، وبما أن جزءاً كبيراً من هذه الديون مملوك لمصارف أوروبية، لا بد أن تتأثر هذه المصارف بالإجراءات الحكومية المرتقبة.