يكاد الخبر يمرّ عادياَ وعابراً: المطرب هاني شاكر يسجّل أغنية وطنية قومية عن فلسطين، من تلحينه، وكلمات الشاعر الفلسطيني علاء يوسف، ويدرجها في ألبومه الأخير، ويصورها على طريقة الفيديو كليب بسيناريو خاص بها، وبالمعاني التي يذهب إليها النص، وبتكلفة انتاجية ليست أقل من تكلفة كليب لأغنية عاطفية ! ماهو غير العادي وغير العابر في هذا الخبر ...أن الأغاني الوطنية، المحلية، والقومية، تملأ الشاشات في « المناسبات» ، وكل نجوم الغناء العرب يبرّئون ذمتهم الفنية والوطنية بتقديم أغانٍ حماسية حيناً، بكائية حيناً آخر، وارتجالية في أغلب الأحيان؟ وغير العادي، وغير العابر في هذا الخبر أيضاً هو أن هاني شاكر قرّر انزال الأغنية الوطنية تلك .. في ألبومه الأخير، وقد جرت العادة أن يعمد أغلب، اذا لم يكن كل نجوم الغناء العربي، إلى ابقاء الأغاني الوطنية التي يقدّمونها معزولة عن ألبوماتهم، اي أن تكون الألبومات حكراً على الأغاني العاطفية فقط ، في « تقليد» انتاجي بشع، بل بشع جداً، يربأ بالألبوم العاطفي أن يحضن أغنية أو أغاني وطنية، خشية « خربطة» مزاج جمهور الألبومات الذي يهوى – أو هكذا قرّروا عنه – أنه غاوي عواطف لا وطنيات ! منذ سنوات ليست بقليلة ، ارتأى نجوم الغناء أن يغنوا لأوطانهم ولقضايا أمتهم – اذا غنّوا ! على الشكل التالي: تحصل حرب أو أحداث أمنية خطرة، في بلد عربي ما، فيتحمّس بعض النجوم للمشاركة في «الهمّ» الوطني . يركّبون بأنفسهم بعض الجمل الحماسية او الرومنسية ، واذا عجزوا ، يطلبون من أي شاعر أغنية ان يعاجلهم بكلام وطني ... وفوراً ... يلحّنونه بأنفسهم حتى ولو لم يكونوا ملحنين جدّيين، على اعتبار أن الأغنية الوطنية « ملحّنة» أصلاً بمعانيها وأنها لا تستحق عناء إرسالها الى ملحن محترف أو عناء دفع أموال ثمناً لتلحينها، ثم يدخلون الأستوديو فيسجلونها بتوزيع موسيقي لا يعكس أي .. توزيع موسيقي، ثم يدفعون بالأغنية الى أي مخرج تلفزيوني يتولى لصق «مشاهد حيّة» عن تلك الحرب أو الأحداث الأمنية على سطور الأغنية التي تتحوّل « مصوّرة» خلال ساعات قليلة. لهذه الأسباب الكافية والوافية يمكن اعتبار أغنية هاني شاكر الوطنية المدرجة في الألبوم، والمنوي تصويرها كليبياً بانتاج حقيقي، اغنية محظوظة .. ويمكن الانتباه الى أن هاني شاكر ليس خجلاً بها ولا هو متعيّب بما فعل تلحيناً وأداءً وتصويراً، كما يمكن الإعلام أن يحتفي بخطوة فنية – ثقافية متميّزة كان ينبغي أن تكون تقليداً فنياً لا استثناء، ولو ان احتفاءً كهذا قد يبدو مبالغةً لمن لا يعرف آلية الإنتاج الغنائي الوطني العربي الذي انقسم نوعين : نوع إفرادي سريع العطب والأفكار.. والانهيار، ونوع جماعي يعتمد على جلب نجوم كماً ونوعاً الى أغانٍ وحشرهم بها مهما يكن مستواها الفني، فاذا رفضوا تم التشهير بهم وبوطنيتهم ! هاني شاكر في أغنيته عن فلسطين مدعو الى أن يتحوّل مثالاً يحتذى يغيّر في المعادلات القائمة بدلاً من أن يغرق بها . فهل يوفّق ؟