يبدو أن السهر المفرط في مواسم الإجازات أصبح «شراً لا بد منه» مهما بلغت محاولات الإصلاح التي تحاول جاهدة «تعديل النوم»، والتي تبقى مهمة مستحيلة في ظل «الصباحات» الخالية من العمل. وتأتي كلمات فيروز في أغنية «عودك رنان» حجةً رسميةً للساهرين بحثاً عن الاستمتاع بكل لحظات الإجازة بعيدة عن ضغط النوم المبكر للذهاب إلى العمل، ولكن ما غاب عن مدندني أغاني فيروز أن السهر المفرط واختلال مواعيد النوم في ساعات مبالغ فيها يؤدي إلى «اضطرابات النوم والساعة الحيوية»، بحيث ينعكس سلباً على استمتاعهم بهذه الأوقات، مشكلاً صعوبة لديهم في معاودة استرجاع النظام الطبيعي ومزاولة العمل بطريقة معتادة، ما يقلب الطاولة على «فيروز» في أول أسبوع من العودة إلى الدوامات الرسمية. هكذا، وجد الشاب محمد سلمان، الموظف في قطاع التعليم، صعوبة كبيرة في ما يُعرف بتعديل نظام النوم، الذي لعبت الإجازة دوراً كبيراً في تشتته، إضافة إلى شهر رمضان الذي من المتعارف فيه السهر ساعات طويلة لتناول وجبة السحور، ويكون من المألوف فيه الاجتماع وتبادل الزيارات في ساعات متأخرة من الليل، وخصوصاً أن الشهر الفضيل يتزامن مع الإجازة من العمل والعطلة المدرسية. يقول محمد: «بقيت أياماً عدة أحاول العودة إلى نظام نومي الطبيعي، وكنت أضطر للذهاب إلى العمل من دون نوم حتى أستطيع النوم ليلاً مجدداً». فيما تظهر على تهاني الشريف علامات التعب والإرهاق بعد معاودتها العمل، وتقول: «ينقسم الناس بعد الإجازة إلى قسمين؛ منهم من يحاول تعديل نظامه بالنوم المستمر، ومنهم من يستمر في السهر، وكلها حلول فاشلة، إذ إنني أحتاج أسابيع حتى أعود إلى نومي المعتاد الطبيعي». ويعزو أبوعبدالله توتر الموظفين إلى اضطراب النوم لديهم، وتظهر دلائله بعدم التركيز والعصبية وعدم إتقان العمل أيضاً، كما يحدث معه شخصياً. بدوره، أكد استشاري اضطرابات النوم الدكتور أيمن كريم ل«الحياة» أن انعكاس نمط النوم والاستيقاظ بشكل حاد ومفاجئ عند دخول شهر رمضان أمر غير فطري وبالتالي غير صحي، فالإنسان كائن نهاري ينام ليلاً ويصحو نهاراً، ما يضع الساعة الحيوية التي تتحكم في وظائف البدن المختلفة ونمط إفراز هرمونات الجسم تحت ضغط شديد له مضاعفاته الحادة والمزمنة، وبالنسبة إلى اضطرابات النوم بشقيها الحادة والمزمنة، فهي تتسبب في تعكر مزاج كثير من النوم نتيجة الحرمان من العدد الكافي من ساعات النوم. وقال كريم: «إن من الملاحظ اتصاف المجتمع السعودي بمجتمع «ال24 ساعة»، إذ يعمد الكثير إلى تجاهل حاجاتهم الفطرية الطبيعية للنوم خلال ساعات الليل ويعكسون نمط نومهم تماماً، وخصوصاً خلال مواسم الإجازات والتحرر من ارتباط الدراسة والعمل، في مخالفة صريحة للفطرة والعمل وفي محاولات غير مجدية لتعويض ما ينقصهم خلال ساعات النهار، ما يعني معاناتهم تلقائياً من أعراض الحرمان من النوم السليم كفرط النعاس والإرهاق أثناء النهار، وتعكر المزاج وتأثر نظام المناعة سلبياً، واختلال عمل الهرمونات ووظائفه الحيوية بشكل يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض عضوية مزمنة».