مع أن التهديد بالانتحار والحرق ليس طريقة جديدة للاحتجاج في الجزائر إلا أنه اتخذ منذ أحداث تونس أبعاداً أخرى وتحول إلى «عمل جماعي» للمطالبة بالتغيير. وفيما يرى بعض الشباب الجزائري في الظاهرة نتيجة حتمية لحال اليأس التي تعانيها فئة عريضة منه يرى آخرون أن عدم اهتمام السلطات بمطالب الشباب التي استمرت عقوداً أدى إلى شطط الذين وجدوا طريقة جديدة للاحتجاج، بعد أن بدت «الحرقة» وسيلة كثر منهم. فما بالك وقد كان الموت حرقاً وراء سقوط النظام في الجارة تونس؟ الخميس الماضي، هدّد شاب في السادسة والعشرين من العمر بحرق نفسه داخل محكمة في ولاية برج بوعريريج شرق العاصمة الجزائر بعدما استعصت عليه استعادة دراجته النارية التي حجزتها الشرطة إثر حادث مرور، بينما أضرم آخر النار بأطرافه مقابل مديرية أمن الشرطة في ولاية مستغانم غرب الجزائر للتنديد ب «الحقرة» (الاحتقار) الذي يعانيه. وسرعان ما انتشرت هذه الطريقة كبقعة زيت وسط الشباب المتذمر الذي أضاف إلى الموت غرقاً، الموت احتراقاً. وأحصت صحيفة «الوطن» الجزائرية أكثر من ثلاثين محاولة انتحار من طريق الحرق خلال الفترة الماضية فيما لا تزال قائمة ضحايا هذا النوع من الاحتجاج مفتوحة في بلد بات يتقلب على صفيح الاحتجاجات الساخن ومعرضاً لكل الاحتمالات. وللجزائريين تاريخ طويل مع الاحتجاجات من طريق التهديد بالانتحار، فقد هددت عائلات من حي رومانيا في ولاية قسنطينة شرق الجزائر بتفجير قارورة غاز والموت إذا ما اقتربت السلطات من بيوتها القصديرية قبل أن تعطيها سكناً خلال الصيف الماضي، كما اغتنم عامل في مؤسسة استشفائية في الولاية نفسها زيارة وزير الصحة ليهدد بالقفز من أعلى عمارة المؤسسة إذا لم يأمر الوزير بإعادته إلى منصبه الذي فصل منه، وهي حوادث تتكرر في مختلف ولايات الجزائر منذ سنوات، لكن أصحابها لم يحققوا دائماً ما يصبون إليه. «ليس بوعزيزي التونسي من يقف وراء هذا النوع الجديد من الاحتجاجات لدى شباب الجزائر ولكن الجحيم الذي يعيشون فيه» يقول كريم ابن الثالثة والعشرين ربيعاً. ويضيف: «عندما لا يتوافر العمل ولا أحد يعيرك اهتماماً، لا في البلدية ولا في وكالات تشغيل الشباب ولا في أي مكان، وعندما لا تجد حتى ثمن السيجارة التي تدخنها وعندما يحين دور عائلتك للحصول على سكن تجد بأن عائلة أخرى لديها علاقة بالمسؤولين حصلت عليه مكانها، ووسط ذلك كله لا يبدو لك مستقبل... تعيش وتكدس معاناتك في أعماقك، لذا أمام أول مشكلة مع إدارة أو مسؤول تفكر في حرق نفسك... لأنك سئمت وتريد أعنف موت انتقاماً من نفسك وحتى تشد انتباه المسؤول النار التي تأكل جسدك بعدما لم يهتم للنار التي أكلت شبابك». أما ريما الأستاذة الجامعية ذات الثلاثين سنةً فقالت إنها لا تفهم هذا النوع من الاحتجاج، وتساءلت لماذا يوجه هؤلاء الشباب كل هذا العنف ضد أنفسهم، ماذا سيجنون عدا الموت أو التشوه في أحسن الحالات ولماذا لا يوجهون عنفهم نحو من ظلمهم. وبالنسبة الى سميرة التي تعمل في الخطوط الجوية الجزائرية وتعرضت سيارتها للحرق فإن احتجاج الشباب الأخير «غير مرغوب فيه، ليس لأن السياسات المطبقة رشيدة، ولكن لأن هؤلاء الشباب وجهوا عنفهم ضدنا ونحن نعاني من المشاكل نفسها». وتضيف بغضب: «كيف سيحصلون على عمل عندما يكسرون سيارتي ويحدثون لي خسائر بثمانية ملايين سنتيم (800 يورو) ما زلت محتارة كيف أسددها». والواقع ان شكاوى الجزائريين لم تتوقف على سوء المعيشة وانتشار البطالة والفقر وانعدام السكن على رغم المبالغ الطائلة التي أعلنت الحكومة رصدها لإيجاد ثلاثة ملايين منصب شغل وإنجاز مليوني وحدة سكنية عام 2013. ويقول آخر الأرقام إن البطالة تمس 13 في المئة من الفئة النشيطة في البلد بينما يعتبر الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول في دراسة نشرها موقع «ألجيريا فوكس» أن هذا الرقم أقل بكثير من الحقيقة وأن النسبة الحقيقية للبطالة في الجزائر تبلغ 30 في المئة أمام تراجع مستوى إنشاء المؤسسات المنتجة للثروة ب 30 في المئة لعام 2009، مشيراً إلى أن النمو خارج قطاع المحروقات لا يتجاوز 2 في المئة. أما الديوان الوطني للإحصاء فذكر بأن أكثر من مليون ومئة ألف شاب يعانون البطالة وأن 78 في المئة منهم يقل عمرهم عن 35 عاماً.