فشل الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في مساعيه الى جعل تغيير طابع السلطة في لبنان «رحيماً»، بعدما عجز في فترة أولى عن مواجهته، ومن ثم في إعاقته، وأخيراً بالانضمام اليه. والمعنى المتضمن في الوقوف الى جانب سورية والمقاومة، والرواية المجتزأة لطبيعة المسعى السعودي - السوري تعنيان ان القرار في لبنان يخضع حصراً لمصلحة هذا الجانب، وان على الآخرين، مثلهم مثل جنبلاط، الخضوع لهذه الحصرية. ويتكشف اليوم ان كل الحركة السياسية السورية، ومعها «حزب الله»، خضعت منذ اتفاق الدوحة لهذه الحصرية وتثبيتها. وذلك رغم كل ما قيل عن التوافق والتسوية واللقاء في منتصف الطريق والإحتكام للمؤسسات وإبقاء رئيس الجمهورية حكماً في الخلافات الداخلية. بدأت العملية بالتمسك بتركيبة حكومية تتيح ل «حزب الله»، متى يشاء، أن ينسف عمل مجلس الوزراء. وهذا ما حصل عندما احتدمت الامور حول قضية «شهود الزور»، كما كان يمكن أن يحصل بالنسبة الى قضية أخرى. رغم ان اتفاق دوحة ينص على عدم الاستقالة من الحكومة واللجوء الى السلاح في الداخل. في موازاة ذلك، جرى تطويق عمل رئاسة الجمهورية التي وضعت بين خيار الصمت والعجز والعزل، وبين خيار الانحياز الى المواقف السورية المعبّر عنها عبر «حزب الله» وحلفائه. هذا على المستوى المؤسساتي. أما على المستوى السياسي فقد اعتمدت خطة تصاعدية لامتصاص المعنى الدستوري للغالبية النيابية، بعد استنزاف الفريق الآخر في مطالب تصاعدية ايضاً. لا يخفى ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي الأداة في عملية تغيير طابع السلطة في هذا البلد. فهي انتقلت من كونها تحوز على إجماع لبناني في بداية وزارة سعد الحريري، كما جاء في البيان الوزراي والتصويت على الثقة بالحكومة، الى أداة اسرائيلية - أميركية. ومهما كان التقدير في شأن عمل المحكمة وكيفيته وفي خلاصاتها، ثمة حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها هو ان زعيما سُنّياً لبنانياً هو رفيق الحريري له علاقات اقليمية ودولية قوية وواسعة أغتيل في بيروت، وان هذا الاغتيال اعتبر استهدافاً للسُنّة، وللرجل وسياسته التي جرى التعبير عنها في الفترة الأخيرة من حياته، خصوصاً انه من مهندسي اتفاق الطائف الذي أعاد الى مجلس الوزراء صلاحيات جديدة. هذا في الوقت الذي بات فائض القوة لدى «حزب الله» يصطدم بهذه الصلاحيات. في التعامل مع المحكمة الدولية كأداة في تغيير طبيعة السلطة اللبنانية، جرت الموافقة عليها أولاً لإشعار سعد الحريري ان العدالة مطلب عام وان الدولة، ممثلة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، تريد هذه العدالة. وفي الوقت الذي اعتبر «ولي الدم» ان المسألة باتت محسومة، ووجه بتصعيد جديد من خلال ربط العدالة بالاستقرار، مع تسريبات محسوبة عن طبيعة الطرف الذي يمكن ان يوجه اليه الاتهام. الى حد ان السيد حسن نصرالله نفسه أعلن رفضه المسبق لأن يُقال ان زعيماً سُنّياً قُتل على أيدي شيعة. ليدخل البلد في نفق الكلام عن الفتنة. وجاءت المصالحات العربية لتعزز الموقف من ضرورة صيغة تفاهم بين العدالة والاستقرار ووأد الفتنة. فاستغلت هذ المصالحات لوضع الورقة التي تحدث عنها جنبلاط في مؤتمره الصحافي قبل يومين، وفيها موافقة رئيس الحكومة على وقف تعامل الدولة مع المحكمة. وكما في اتفاق الدوحة الذي اخذ منه فريق سورية - «حزب الله»، ورفض التقيد ببنوده الاخرى، جرى التعامل مع الورقة السورية - السعودية التي أخذ منها الموقف من المحكمة وأهملت البنود الاخرى. واليوم، مع بدء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة، ينطلق البحث من رفض المحكمة الدولية ورفض البحث في البنود التي تم الاتفاق عليها في جلسات الحوار والبيان الوزاري لحكومة الحريري. لينزاح القرار نهائياً الى حصرية مصلحة سورية - المقاومة، من دون أي اعتبار للمؤسسات ونتائج الاستشارات وكيفية مواقف النواب فيها. لقد أعلنها الحليف ميشال عون ان لا قوة في الارض يمكن ان تعيد سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، مع كل ما يرمز اليه الرجل من موقع سياسي وطائفي. هكذا أُعيد صوغ السلطة على نحو بات طرف واحد فيها صاحب القرار، وجرى خلع الطرف الآخر، بعدما فشل جنبلاط في جعل هذا التغيير «رحيماً».