حينما أخبرني الزميل والإعلامي القدير أحمد عدنان، وهو معد ومنتج برنامج «عيشوا معنا»، الذي يُبث على الفضائية اللبنانية، أنه سيستضيف في برنامجه وزير الإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة، في بداية الأمر لم اعط هذا الموضوع أهمية، وقلت ربما تكون حلقة مسجلة، وسيتحدث فيها الوزير عن تجربته الشعرية وحياته الديبلوماسية التي أمضاها في عواصم عدة، وكانت آخر محطاته بيروت، ومثل معظم وزراء الإعلام الذين تعرفت عليهم في السعودية، سيتحدث الوزير عن أهمية الميثاق الصحافي، ولا يمكن الانتقاد أو الكتابة، وسيمتدح التلفزيون السعودي بمختلف قنواته على رغم أن ما يقدمه من برامج ولا أحد يشاهدها، وربما يثني على دور وكالة الأنباء السعودية، وهي تقف في آخر الصفوف بين وكالات الأنباء الأخرى. واعتقدت أيضاً أنه سيمتدح المشهد الثقافي السعودي، وهو يعلم أنه يُحتضر، كل هذه الأفكار جالت في خاطري قبل أن أشاهد الحلقة، ولا أخفيكم سراً تولدت لدي قناعة أن أي مسؤول حينما يتحدث في حوار تلفزيوني، فهو إما لديه رسالة يريد أن ينقلها، او تعليمات أو أنظمة يريد أن يسوّق لها، كل هذه الأفكار كانت تجول في خاطري قبل أن أرى مقابلة الوزير، وعزز هذا التفكير التصريحات الصحافية التي أطلقها قبل أسابيع أنه لا يرغب في زيادة عدد الصحف، وله وجهة نظر مختلفة تجاه المواقع الإخبارية على الإنترنت، ما يرسم صورة مظلمة لمستقبل النشر والإعلام في السعودية. الحقيقة فاجأني الوزير كثيراً، وغيّر من انطباعي الذي كنت قد رسمته له، فقد تعودنا نحن الصحافيين أن تكون الوزارة آخر المتحركين تجاهنا والوقوف بجانبنا في قضايا النشر أو الاستجواب، أو الفصل التعسفي للعاملين، وعدم الضمان الوظيفي، كل هذا كان يحدث والوزارة تقف كمتفرج ليس لها علاقة. للمرة الأولى وجدت في حوار وزير الإعلام في السعودية حميمية واقتراباً أكثر من الإعلاميين والمثقفين، لغة هادئة بثقة عالية، لديه أجندة وأفكار ومشاريع، يريد أن يغير من النظرة السلبية السابقة عن الإعلام، لديه تطلعات ورغبة قوية في التطوير والتغيير بما يتماشى مع تقاليد البلد، وأيضاً مع التطورات التي يعيشها الإعلام في العالم، مستاء من المستوى الهابط للبرامج التلفزيونية الحكومية، متحمس لتطوير وزارته وأجهزته المختلفة، كان واضحاً من حديث الوزير أو «أبو محمد» كما طلب من المذيع أن يناديه أثناء الحوار، أنه يريد أن يمد يده مصافحاً كل الإعلاميين والمثقفين والمفكرين، يبدأ معهم صفحة تسامح وحوار وتطلع. من جملة ما قاله الوزير، انه لن يوقف أي كاتب ولن يقيل أي رئيس تحرير، وهو ضد التخوين والتكفير والطائفية والعنصرية والإقصاء والمساس بالوحدة الوطنية، ما لفت انتباهي في حوار»أبو محمد» أنه كان يتحدث بعفوية، لم يكن يتقمص دور الوزير أو السفير أو حتى الشاعر، ربما هو أقرب إلى أستاذ الكيمياء الذي كان تخصصه، يهمه أن يتفاعل الناس وفق مرئياتهم وأطروحاته، لهذا قال إن وزارته ليست للقمع والسيطرة بل للتنظيم والتطوير، وأن زمن الإعلام الموجه قد ذهب أو أن يدعي أحد أنه وصي على وطنية الآخرين، الشيء الأجمل في اللقاء التاريخي للدكتور عبدالعزيز خوجة أنه قدم نفسه بطريقة جديدة ومختلفة وصورة مغايرة لوزير الإعلام التي ارتسمت في أذهاننا. الوزير قال إنه لا مكان للفاسدين وغير الأكفاء في وزارته، بالنسبة إلى المثقفين وعدهم بدخول كتبهم على مسؤوليته، وهو بهذا يريد أن يصحح الصورة التي عرفت عن إدارة المطبوعات في مصادرة الكتب التي يحضرها الكثير من السعوديين من الخارج، أو تلك التي تمنع من البيع في السعودية، الشيء الذي لم أكن أتوقعه، وقد فاجأني به الوزير، والحقيقة أن «أبا محمد» لفت انتباهي في الحوار أكثر من مرة، أكثرها جرأة تلك التي أعلنها من خلال الشاشة وعلى الهواء مباشرة، حينما اعتذر من المثقفين والإعلاميين، لما بدر من سوء تصرف بعض الجهات، وعكست صورة سلبية خلال معرض الكتاب في الرياض، وهو بهذا كما وصفه أحد الصحافيين قلب الطاولة على منتقديه في المنتديات والصحف الإلكترونية بردوده المقنعة، وأفكاره التنويرية ورؤاه المستقبلية، وعن انتماءه إلى التيار الديني أو الليبرالي قال الوزير: «طوال حياتي، لم أجد نفسي إلا في موقع الاعتدال والوسطية، أي أجدني أنتمي إلى التيار الوطني الذي لا هم له إلا مصلحة الوطن ورفعته» وتساءل موجهاً حديثه إلى المثقفين «هل المشهد الفكري في المملكة منقسم بهذه الصورة، إننا جميعاً مسلمون ومواطنون سعوديون، والذين يطلقون على أنفسهم أو يصفهم غيرهم بأنهم ليبراليون، من خلال متابعتي للصحف ووسائل الإعلام، لم يصدر عنهم ما يسيء للإسلام ولم يعلنوا خروجهم عليه، أما التيار الإسلامي، فإن الإسلام كما عرفه المسلمون، وكما تعلمته أنا، هو دين الحرية والعدالة والتسامح، لذا أقول إن هذا الانقسام مضخم، وأطالب بمعالجته بالعودة إلى الحوار» الدكتور خوجة تحدث بإيجابية نحو القنوات الفضائية العربية، واعتبر أنها تعتمد على السوق السعودية وهي غير مفعلة. بالتأكيد الصورة الجديدة التي خرج بها وزير الإعلام على الناس، جميلة ومفرحة، ومهم جداً أن نلمسها نحن الإعلاميين والمثقفين على أرض الواقع، وهي ليست مصباحاً سحرياً ستتحقق خلال أشهر، فهي تحتاج إلى بناء قاعدة قوية وأيضاً رسم خطة واستراتيجية، لا تذهب مع مغادرة الوزير لمنصبه، بل تكون عملاً مؤسسياً تدعم التوجه والانطلاق. هناك معاملات في الوزارة تستغرق أشهر وربما سنوات من أجل إنجازها، وأنشطة لا تزال الوزارة تقحم فيها وتحتاج أن تتخلص منها، مثل تصاريح المكتبات والقرطاسية، التي يستوجب لفتحها موافقة وزارة الإعلام، وشركات الإنتاج وغيرها من التراخيص، تحتاج إلى مرونة وتسهيلات وتخفيف من الشروط، وإعادة فتح تراخيص دور النشر والمطابع، وتوسيع قاعدة المنضمين في هيئة الصحافيين، لتشمل مؤسسات إعلامية ودور نشر مختلفة وليس بالضرورة أن يكونوا عاملين في صحف ورقية، هناك مواقع إنترنت إخبارية معروفة معتمدة، من المهم أن ينضموا إلى هيئة الصحافيين، الحقيقة الهموم كثيرة في الشأن الإعلامي، إلا أن حوار الوزير خفف الكثير، فهو يريد أن ينصت ويستمع ويخطط وينفذ. فامنحوه وقتكم للتواصل معه. * إعلامي وكاتب اقتصادي Jamal [email protected]