«وجهاً لوجه» برنامج حوار تقدمه الفضائية الفلسطينية أسبوعياً، يمكن اعتباره نموذجاً لنوعية من برامج الحوار المختلفة، ليس بسبب طريقة الممثل الفلسطيني محمد البكري في إعداده وتقديمه، بل لخصوصية الأمكنة التي يختارها الضيف، وهو في طريقه نحو «البوح» التلفزيوني عن تجربته. فبعض هذه الأمكنة ما زال واقعاً تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، وهذا قد يمنحها رونقاً مختلفاً لا يشبه أمكنة الضيوف في برامج حوارات من هذا النوع. قد لا يشكل «وجها لوجه» حالة متفردة لجهة «العلاقة» بين المقدم والضيف، فثمة حالة من الارتباك الواضح في القطع بينهما، يمكن احالتها على التوليف، غير الدقيق والاحترافي. وهذا قد يخلق تشويشاً في هذا السيل المتدفق من البوح المختلف، اذ يحدث أن يقود الضيف الممثل المعروف نحو أمكنة صباه وساحات لعبه وفتوته حين أخذ يصبح شاهداً على «وشوشات» الكبار في دكان أبيه مثلا، كما حدث في حلقة الشاعر الفلسطيني مفلح الطبعوني، صاحب ديوان «أغاني معتقة». عن تلك الأمكنة في الناصرة سيروي لنا الطبعوني رحلة المنشورات السرية التي كان يتناقلها توفيق زياد وفؤاد خوري، وسيقدم لنا البرنامج صورة تلفزيونية موثقة غير معروفة، عن مرحلة دقيقة وخطيرة عاشها الفلسطينيون في مراحل حياتهم المختلفة. لا يجمّل البكري الحوارات مع ضيفه. وهو لم يكن يخطر بباله أن يقوم بمثل هذا الأمر، حتى أنه تخلى عن دوره كممثل لحساب حوار سلس وغني وممتع. فهو يعرف متى يطوّع اسئلته الجاذبة للحوار المتبادل، بما يضفي طابعاً حميمياً، قلما نشاهد له مثيلا على شاشات الفضائيات العربية، اذ غالباً ما تكون قائمة على نوع من المجاملات الحذرة، أو هكذا تبدأ عادة، لتنتهي بتعظيم وتفخيم، لا يكون الضيف بحاجة اليهما دائماً. في «وجهاً لوجه» تختفي هذه النزعة القائمة على ايقاع سريع مصدره التلفزيون نفسه، الذي يقلل أحياناً من قيمة الضيف، وقيمة البرنامج، بانهماكه بأسئلة جانبية لا تقدم شيئاً للمشاهد المتربص بهذه النوعية التي تحمل هوية ثقافية تطغى عليها روح استهلاكية غير مبررة دائماً. بالتأكيد، يلعب المكان دوراً بالغ الخصوصية في هذا البرنامج، وهذا لا يقلل من قيمة الممثل محمد البكري وأهميته، فهو يعرف متى يشارك ضيفه قراءة شعره مثلاً، لا بل يختار طريقة في الإلقاء قد تساعد صاحب القصائد في قراءة قصائده بأحاسيس مختلفة. ولا شك في أن برنامج «وجهاً لوجه» يمكن أن يلعب دوراً في توجيه معدّي ومقدمي برامج من هذا النوع نحو خصوصية المكان الذي يساهم في نبش العالم الجواني للضيف، ويقدم عالماً غنياً قائماً على البوح لا يخطر ببال الضيف أحياناً. وهذا بدا واضحاً في حلقة الشاعر الطبعوني الذي بدأ رحلة الاعترافات (مبكراً) من مركز محمود درويش الثقافي، وانتهى في ملعب الصبا الأول في مدينة الناصرة.