اكتس مؤتمر هرتسيليا السابع عشر، الذي أنهى أعماله الخميس، وبحث ميزان الحصانة القومية واستراتيجيات الحكم والأمن في إسرائيل، أهمية خاصة هذه السنة، حيث تزامن انعقاده مع أجواء سياسية وأمنية ضبابية تسود المنطقة. كثرة اللاعبين في المنطقة عامل لإشعالها في كل سنة يحظى استعراض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، بأهمية كبرى لما يتناوله من تقييم للوضع الأمني في المنطقة، حيث يحدد في كل مرة التحديات الاستراتيجية والتقديرات الاستخباراتية في شكل مثير، فيفرض أجندة المؤتمر. في هذه السنة جعل من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط هماً أمنياً لإسرائيل إنما وضعه في مركز اهتمامات العالم. وبرأيه فإن المنطقة اليوم تتصدر اهتمامات العالم بأسره، «فالصراع الذي تشهده يجلب حوارات بين القوى العظمى، من شأنها أن تنعكس على بقية دول العالم. والخطر في مجمل هذا الصراع، هو الأسلحة المتطورة والتنظيمات التي تسيطر على الوضع، وهي بالتالي تشكل خطراً كبيراً على إسرائيل وتستدعي خطة استراتيجية حاسمة وواضحة لمواجهته». وبحسب هليفي فإن إيران تغرق المنطقة بالأسلحة والمعدات القتالية والخبرات. وهي المصدر الرئيسي لوجود أسلحة متطورة في أيدي التنظيمات، التي تعمل ضد إسرائيل. كصاروخ «زلزال-3»، الذي قامت إيران بنشر كمية ليست قليلة منه في سورية ولبنان واليمن، وبات يهدد عشرين دولة. واتهم هليفي إيران بإقامة صناعات عسكرية في لبنان واليمن. مقابل هذا يرى هليفي أن إسرائيل تمكنت خلال السنوات الماضية من تشكيل قوة رادعة أمام الأعداء من مختلف الجبهات. وفي الجانب الأمني يرى هليفي كبقية العسكريين والخبراء، أن الوضع كما هو عليه لا يفرض تحسباً لحرب قريبة إلا أن كثرة اللاعبين وتعزيز قدراتهم قد تجلب تدهوراً لا يريده أي طرف. ما الذي يقلق هليفي؟ مسار بناء قوة عسكرية كبيرة في لبنانوغزة، في شكل غير مسبوق، من قبل تنظيمات معادية لإسرائيل، تسعى إلى ردع إسرائيل، وهذا من شأنه أن يجلب التصعيد المقبل. وكغيره من العسكريين حرص هليفي على إبراز قوة إسرائيل وقدرتها من حيث الاستخبارات العسكرية والقدرات العسكرية بما يجلب للطرف الآخر خسارات فادحة ومؤلمة. ونصح هليفي حزب الله وحماس بعدم شد الحبل مع إسرائيل، وصعد تهديده بالقول: «أنصح كل من أوجد البنى التحتية للقدرات العسكرية لحزب الله وحماس أن يبتعد عن بيته، فور اندلاع الحرب». أما بالنسبة لسورية وداعش، فقد جاء ذكرهما في شكل عابر في نهاية استعراضه للوضع قائلاً: «داعش في سورية يتقلص والنظام يستقر، ولكن انتهاء الأزمة لن يكون قريباً وأية تسوية ستتم فقط باتفاق مع الدول العظمى. أما الحصانة القومية بالنسبة لهليفي، أمام تهديد إيران، حزب الله وحماس فتكمن في أهمية استعداد وتحضير الجبهة الداخلية والسكان. وإن أجمع الإسرائيليون على أن إسرائيل تملك قدرات هجومية ودفاعية وعلى أهمية تحصين الجبهة الداخلية، إلا أن قراءتهم للوضع تجاه إيران وسورية وحزب الله اختلفت. فإذا ركز هليفي على ما تشكله حماس من خطر عسكري فإن آخرين تجاهلوا حماس في قراءة الوضع الأمني، وجاؤوا على ذكر الحركة لدى التطرق لأزمة الكهرباء. إلا أن لهجة الإسرائيليين التهديدية كانت قاسماً مشتركاً للجميع. فقبل هليفي، تعالت تهديدات قائد سلاح الجو أمير إيشل، الذي أعلن أن سلاح جوه قادر على ضرب العمق اللبناني خلال ساعات. وكرر هو الآخر أهمية مغادرة اللبنانيين بيوتهم، وليس فقط القيادات، فور اندلاع المواجهات. أما وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، فجعل من تهديداته، لمن اعتبرهم أعداء إسرائيل، عناوين بارزة لخطابه. فلم يسلم منه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي اتهمه بدفع حماس إلى حرب مع إسرائيل. وفي استعراضه للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بحث ليبرمان في الربح المالي قبل الاستقرار السياسي، وبرأيه فإن التسوية الإقليمية هي مفتاح أزمة الشرق الأوسط ومثل هذه التسوية ستدخل سنوياً لإسرائيل 45 بليون دولار، ويقول إنه لا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال تسوية إقليمية مع الدول السنية المعتدلة ومن ثم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. أما حول رؤيته الأمنية، فاختار الحديث عما تفعله إسرائيل لتحصين أمنها أمام ما يعصف في المنطقة. وكعادته سيطرت على كلمته لهجة التهديد والوعيد، فحمّل الرئيس السوري مسؤولية ما يحصل مهدداً بقصف المطار الدولي في دمشق لدى قوله: «المطار الدولي في دمشق لا يمكن أن يستعمل لتهريب الأسلحة لحزب الله، وعندما يتم تخطي الحدود لن نتردد بالعمل». وبحسب ليبرمان فإن إسرائيل تنشط في الشمال وكأنه يوجد هناك قنبلة موقوتة على وشك الانفجار ويتم النشاط من أجل إحباطها. وبرأيه فإن إطلاق النار على أهداف إسرائيلية أو تهريب أسلحة إلى حزب الله عاملان من شأنهما إشعال المنطقة. وقال ليبرمان إن حزب الله «يستغل الأوضاع في سورية لفتح ساحة قتال ضد إسرائيل في الجولان ولتهريب أنظمة دفاع متقدمة لتعزيز منظومته وقدراته أمام الحدود مع إسرائيل». ودعا ليبرمان إلى «العمل والاستعداد لضمان الحسم والانتصار في أية مواجهة مستقبلية كما حصل قبل خمسين عاماً، ليكون النصر الثاني بعد حرب عام 1967، حيث حسمت إسرائيل المعركة في غضون ستة أيام». أما الرجل الأول في الجيش، رئيس الأركان غادي إيزنكوت، فاختار التركيز أكثر على الجانب الأمني الفلسطيني. وبعد أن استعرض أزمة الكهرباء، معتبراً مصلحة إسرائيل تكمن في أن يسود الأمل لدى سكان غزة، اختار الإطراء لأجهزة الأمن الفلسطينية بقوله إنها «تستحق التقدير». وأضاف أن قرار الجهاز الأمني، الفصل بين منفذي الإرهاب وبين الجمهور الفلسطيني والتقليل من اتخاذ الخطوات الجماعية، أثبت نفسه. فالقدرة على مواجهة الواقع هو نتاج سياسة تفعيل القوة الصحيح. الميل إلى فرض الطوق ومنع الخروج للعمل لم يساعد». واتفق إيزنكوت في تحليله للوضع مع هليفي لدى اعتباره أن داعش ليس الخطر المركزي على إسرائيل، ورأى في إيران الخطر الأكبر على أمن إسرائيل واستقرارها وحزب الله التهديد الرئيسي، متوعداً، هو الآخر، بمنع أية محاولة لنقل أسلحة له. نتانياهو خطر على إسرائيل في المعيار السياسي تناول المؤتمر انعكاس سياسة الحكومة ورئيسها على وضع إسرائيل. رئيسة حزب «ميرتس»، زهافا غلئون، رأت أن الوضع الحالي يتطلب البحث والرد على الأسئلة المطروحة أمام إسرائيل وفي مركزها كيف تتوجه إسرائيل لحل الترتيبات الأمنية، الحدود الدائمة، المياه والاقتصاد. وإيجاد رد على السؤال الذي طرحه رئيس الحكومة، السابق، مناحيم بيغن «ماذا بالنسبة للعرب». ودعت إلى خطة استراتيجية جدية تعطي رداً على هذا السؤال وخلق تغيير للواقع عبر مواجهة اليمين برفض حلوله عبر إنهاء الاحتلال الذي يضمن، بحسب غلئون، مستقبلاً أفضل، أولاً للإسرائيليين. وحذرت من أن يكون الوزير اليميني نفتالي بينت الحاسم في سياسة الدولة، ووصفت نتانياهو بالضعيف والمتلعثم ويشكل خطراً على إسرائيل لما يتخذه من قرارات يتم بموجبها سرقة الأراضي الفلسطينية، بوحي وظل بينت. واستعرضت غلئون الإجراءات والقرارات التي اتخذت بضغط وسيطرة المستوطنين على الحكومة. وقالت: «ثماني سنوات مرت على خطاب «بار-إيلان»، وما زلنا ننتظر حل الدولتين الذي تحدث عنه نتانياهو. خطابه كان كاذباً، تماماً كما كذب حول قراراته بالمصادقة على البناء في قلقيلية، وعندما يكذب رئيس الحكومة في القضايا المركزية التي تتصدر أجندة الأبحاث الإسرائيلية، تقول غلئون، يصبح هذا الأمر مصدر قلق كبيراً. برأي غلئون، نتانياهو يكذب وهو لا يؤمن بحل الدولتين بل إنه يؤمن بأمرين وهما «إدارة الصراع» و «صموده الشخصي في رئاسة الحكومة»، وعندما يأتي أحد الأمرين على حساب الثاني يختار نتانياهو دائماً الأمر الأهم والأغلى على قلبه وهو مصلحته الشخصية. وطرحت غلئون رؤية مستقبلية فقالت: «الدولة التي تنشد الحياة تدرك كيف تأخذ مصيرها بيدها. إسرائيل أقيمت بفضل أشخاص فكروا في الحلول عندما واجهتهم المشاكل، أقاموا الكيبوتسات (التعاونيات الزراعية) حيثما رأوا أرضاً بوراً تنورها الشمس، بنوا من الأحياء الصغيرة مدناً كبيرة، وخلقوا دولة من الطلائعيين والناجين من أهوال الحرب. وفي ذات الاتجاه تحدث رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يئير ليبيد فوجه سهامه تجاه نتانياهو وسياسته، وتطرق إلى المعارك التي قادها ضد الصحافيين والمحكمة العليا واليسار ومعركته ضد وزير الدفاع السابق، موشيه يعالون والجيش. وحذر من سياسته التي جعلت التطرف أمراً مركزياً في الحكومة ولغة خطابها، التي تهدف بالأساس إلى إخفاء حقيقة عدم وجود أية خطة أو رؤية لهذه الحكومة. وبرأيه، إن ما لم يستطع نتانياهو فعله خلال أربع دورات له في الحكومة لا يمكنه فعله اليوم. ويقترح وضع خطة سياسة تضمن العمل بوحدة الجميع وبأن يصبح الإسرائيليون شعباً واحداً وموحداً، وهذا ما يمكن أن يحققه حزبه ومن يؤمن مثله، بحسب اعتقاده. نتانياهو، لم يشارك في هذا المؤتمر لنقل ما تخطط له حكومته، وكان وزير الأمن الداخلي، جلعاد إردان، الأبرز في طرح السياسة اليمينية المتطرفة. وبدل أن يعرض رؤية مستقبلية لضمان السلام والهدوء راح يتحدث عما اسماها «استراتيجية مكافحة الإرهاب»، قائلاً إن «إسرائيل بادرت لإقامة تحالف دولي من أجل مكافحة الإرهاب». وبرأيه هناك فرصة تاريخية من أجل تشكيل تحالف لمكافحة الإرهاب، يضم إسرائيل، أميركا، الدول الأوروبية، والدول العربية المعتدلة، ودول آسيا مثل الهند، إضافة إلى دول أخرى. وأكد إردان، أنه ينشط بالتعاون مع زملاء وأصدقاء من جميع أنحاء العالم لإقامة مثل هذا التحالف، وفي سبيل هذا الهدف يقول: «التقيت بوزير الأمن الداخلي الأميركي، وتم الاتفاق على الترويج لفكرة إقامة التحالف والتعاون لمواجهة الإرهاب». واعتبر إردان رفض الجانب الفلسطيني الاعتراف بحق إسرائيل بتقرير المصير وحقها كدولة للشعب اليهودي، من العثرات الأساسية أمام تغيير الوضع وأي تقدم في المسيرة السلمية. وراح إردان يبرر عمليات القتل التي يتعرض لها الفلسطينيون، من قبل الجيش وحرص إسرائيل على الحفاظ على القدس موحدة. وعرض خطة عمل تعتمد على القيام بالعديد من الإجراءات والخطوات من أجل تغيير الوضع في باب العامود، وقال: «نحن بصدد إحداث تغييرات جوهرية وغير مسبوقة في كل ما يتعلق بمنظومة الحراسة في المنطقة، من خلال استعمال كاميرات المراقبة، ونقاط عسكرية، ومنظومة الاستخبارات وجمع المعلومات، وذلك في سبيل تقليص العمليات».