جدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان تأكيده ان «المسؤولية الاولى والاهم تبقى على عاتقنا نحن كلبنانيين، لاجتراح الحلول السياسية المناسبة والثبات عليها، من خلال المؤسسات ونهج الحوار الصادق والخلاق»، مشيراً الى «أن الفرصة ما زالت متاحة أمامنا، على رغم التجاذب القائم، لنثبت قدرتنا على إدارة شؤوننا بأنفسنا وأخذ الخيارات الشجاعة والحكيمة التي من شأنها أن تقودنا من جديد على دروب الاستقرار والعدالة والنموّ والتقدّم الاقتصادي». وألقت الازمة السياسية في لبنان بثقلها على الكلمة التي ألقاها سليمان امس، امام اعضاء السلك الديبلوماسي العربي والاجنبي الذين حضروا الى قصر بعبدا لتهنئته بحلول العام الجديد في تقليد يتبع سنوياً، في حضور عميد السلك السفير البابوي المونسنيور غبريال كاتشيا. واستعرض سليمان في كلمته ما حمله العام الماضي من احداث وقال: «تميز على الصعيد اللبناني، باستمرار الاستقرار وارتفاع حجم الودائع ومعدّلات النموّ الاقتصادي، وبالحرص على احترام الاستحقاقات الدستوريّة، ومنها الانتخابات البلديّة. كما تمكّن المجلس النيابي من إقرار مشاريع قوانين مهمّة، كمشروع قانون النفط، الذي يحيي لدى اللبنانيين آمالاً مشروعة في تحسين أوضاعهم الاقتصاديّة، مع تنامي القناعة في إمكان استثمار ما تختزنه بحارنا من ثروات». وقال: «تسنّى للبنان أن يثبت جدارته في المشاركة في مداولات مجلس الأمن وقراراته. إلا أنّ نهاية العام 2010 شهدت جموداً في عمل مؤسسات الدولة، وخصوصاً مجلس الوزراء، وهو جمود طاول كذلك، وللأسف، هيئة الحوار الوطني». ورأى ان ذلك «يعود في أبرز مسبّباته إلى اعتبارات ظرفيّة وبنيويّة، منها ما يتعلّق بالجدل المحيط بموضوع المحكمة الدوليّة لجهة التسييس والصدقيّة، ومنها ما هو طبيعي في الأنظمة التوافقيّة التي تعتمدها الدول القائمة على التعدّديّة. وأفضى كلّ ذلك إلى استقالة الحكومة، والذهاب الى استشارات نيابيّة، تمهيداً لتشكيل حكومة جديدة، وفقاً لأصول اللعبة الديموقراطيّة، وأحكام الدستور وروحيّته». وذكّر سليمان بأن «قمّة بعبدا الثلاثيّة والبيان الصادر عنها بتاريخ 30 تموز (يوليو) الماضي، كرسا مقاربةً لضمان الاستقرار في بلادنا، والحؤول دون الوقوع في شرك الفتنة المطلّة على لبنان بأوجه وطرق مختلفة، وبالتالي لمعالجة المشاكل من طريق الحوار، والاحتكام في كلّ ظرف إلى المؤسسات الشرعيّة الحاضنة والناظمة للعمل السياسي. وسبق لي أن أشرت في الخطاب الأخير لذكرى الاستقلال الى أنّه مع امتناننا للأشقّاء العرب ولمبادراتهم دعم لبنان وتحصين سلمه الأهلي وإمكان الاستفادة من مساعيهم الحميدة، فإنّ المسؤوليّة الأولى والأهمّ تبقى على عاتقنا. والفرصة ما زالت متاحة أمامنا، على رغم التجاذب القائم، كي نثبت قدرتنا على إدارة شؤوننا بأنفسنا وأخذ الخيارات الشجاعة والحكيمة التي من شأنها أن تقودنا من جديد على دروب الاستقرار والعدالة والنموّ والتقدّم الاقتصادي والاجتماعي». قال سليمان: «لطالما اعتبرنا أنّ النظام اللبناني الذي يسمح لمختلف الطوائف، بالمشاركة الفعليّة في السلطة، وليس فقط بالعيش معاً، يمثّل صيغة مميّزة وتحدّياً يتوجّب علينا جميعاً إنجاحه، في وجه التيّارات المتطرّفة المحرّضة على العنف والإرهاب والرافضة للرأي الآخر، وكنقيض للدول والمجتمعات التي تسعى الى تكريس العنصريّة أو الديكتاتوريّة أو الانعزال كأنظمة حكم مغلقة، مع وعينا الكامل لضرورة استمرار الجهد لتعزيز فكرة المواطنة كهدف رفيع ومحاربة الفكر الطائفي والتعصّب، من دون المساس بنظام المشاركة الطائفيّة التي اعتمدها لبنان وارتضاها منذ عام 1943 وصولاً إلى التوافق على مبدأ المناصفة وخصوصاً احترام ما نص عليه البند «ي» من مقدمة الدستور بأن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». ولفت سليمان الى «انّ في موازاة سعينا لتذليل العقبات الطارئة وإيجاد الحلول العاقلة والرشيدة لما يعترض حياتنا السياسيّة ومسيرتنا القوميّة من صعوبات، سنستمرّ في جهد موازٍ، من ضمن ثوابتنا الوطنيّة، وما تعاهدنا عليه والتزمناه، لتحصين وحدتنا الوطنيّة والدفاع عن سيادتنا وثرواتنا الطبيعيّة، بما في ذلك حقول النفط والغاز، والعمل على فرض تنفيذ القرار 1701 في كل مندرجاته، بالتعاون مع قوات «يونيفيل» التي نقدّر دورها كامل التقدير، ومواجهة خطر الإرهاب وشبكات التجسّس والعمالة التي تسعى إسرائيل من خلالها الى زرع بذور الفتنة في لبنان، بما في ذلك خرقها لشبكة الاتصالات. كما سنستمرّ في تعزيز قدراتنا الوطنيّة الرادعة، والعمل على استرجاع أو تحرير ما تبقّى لنا من أراضٍ محتلّة بكل الطرق والوسائل المتاحة، بما في ذلك حقّنا المشروع في مقاومة الاحتلال». وشدد على ضرورة العمل «على استكمال تطبيق اتفاق الطائف، ووضع قانون جديد للجنسيّة وللانتخابات النيابيّة، والمضيّ في دراسة مشروع اللامركزيّة الإداريّة، ووضع الخطط المناسبة لقطاعات العمل والخدمات والإنتاج، وتوضيح كيفيّة معالجة الإشكالات الدستوريّة وتوزيع المسؤوليّات، بما يكفل حسن سير المؤسسات». أوضاع الشرق الاوسط وانتقل الى الحديث عن تطوّر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً الى ان العام الماضي اقفل «على خيبة أمل كبيرة في إمكان تحقيق تقدّم يُذكر في عمليّة السلام، بسبب تعنّت حكومة إسرائيل ورفضها مبادرة السلام العربيّة وأيّ مبادرة أخرى تهدف الى إعادة الحقوق لأصحابها الشرعيين وإيجاد حلّ عادل وشامل لكل أوجه الصراع العربي - الإسرائيلي ناهيكم باستمرارها في احتلال الأرض ومحاصرة غزة وتهويد القدس وبناء المستوطنات ورفض حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين سعياً لتوطينهم في الدول العربيّة المضيفة، وهو ما يرفضه لبنان بصورة قاطعة ومشروعة». وتحدث عن «تدنسيس يد الإرهاب خلال الأسابيع الماضية، دور العبادة بصورةٍ مشينة، وأزهقت دم المدنيين المسالمين الأبرياء، واستهدفت روح التسامح والتعايش التي تميّزت بها منطقتنا العربيّة طيلة قرون، ما يستدعي جهداً إضافيّاً لتعزيز الحريّة الدينيّة وحمايتها وتوطيد ثقافة الحوار والسلام». السفير البابوي وكان السفير البابوي كاتشيا ألقى كلمة نقل فيها «تمنيات البابا بنديكتوس السادس عشر، ورؤساء الدول والسلطات والشعوب التي نمثّلها»، لمناسبة حلول العام الجديد. وأشار الى الرسالة التي وجّهها البابا لمناسبة يوم السلام وكان موضوعها «الحريّة الدينيّة، طريق نحو السلام». واستعاد مقطعاً عن الحرية الدينية وفيها انها «ورقةُ دوار الشمس التي تتيح تحقيق احترام كلّ الحقوق البشريّة الأخرى». وقال: «بإعجابٍ كبير، نلاحظ أنّ لبنان نموذجٌ عن هذه الحريّة، في نصوصه الدستوريّة، وفي تقاليده التي يعيشها اللبنانيون، فيمكنه أن يكون ينبوعَ إلهامٍ لدولٍ أخرى كثيرة. بالإضافة إلى ذلك، في إطار من التوترات المتنامية وخطر المواجهات بين الحضارات، التي يبدو أنها تنمو في العالم كلّه، من خلال أعمال عنف غير مبرّرة وغير إنسانيّة، لا يمكننا إلاّ أن نُعجبَ، بالسير بعكس هذا التيار، في السنة الماضية، وإقرار عيدٍ وطنيّ، في 25 آذار، يوم البشارة، ليتاح لغالبيّة اللبنانيين أن يحتفلوا معاً - مسيحيين ومسلمين - بعيد العذراء مريم، مكتشفين أنّ الإيمانَ الصادق يدعو البشر إلى الاتحاد والتعارف والاحترام المتبادل، في ظلّ القيم السامية عند الكائن البشريّ. هذا ما نراه بإلقاء نظرة على السنة الفائتة. لقد كانت عامة فترة هدوء وطمأنينة اجتماعية ووضع مدني جيد». وتوقف عند الانتخابات البلدية التي أُجريت في لبنان «في مناخ من الحرية والمشاركة الديموقراطيّة. كما دل النمو الاقتصادي والمالي أن البلاد، في جوّ من الاستقرار والثقة، تنعم بحظوظٍ متزايدةٍ من النمو والتقدّم. وبدا الوضع الداخلي والإقليمي ملائماً لإنجاز المهمّة التي أشرتم إليها، يا صاحب الفخامة، في خطابكم لمناسبة عيد الاستقلال وهي بناءُ الجمهوريّة الثالثة التي أعددتم لها النقاط الأساسية، المرتكزة الى الالتزام بالعيش معاً، بحيث تنصهر كل المعتقدات في إطار ديموقراطية برلمانية حرّة، مرجعيتها الميثاق الوطني، قلب الوحدة اللبنانية وفلسفتها». وقال: «وإذا نظرنا إلى أبعد من الحدود الوطنيّة يمكننا أن نلاحظ بوضوح الدورَ الذي عاد يلعبه لبنان، بعد سنوات عدة، على صعيد الأسرة الدولية، كعضوٍ غير دائمٍ في مجلس الأمن الدولي». ورأى ان السنة «انتهت مع بعض الغيوم القاتمة من عدم الاطمئنان والتوتر، والتي أوقفت السير العادي للنشاط المؤسّساتي، بنتيجة التطورات الدولية الأخيرة ذات العلاقة مع التاريخ الحديث لبلدكم وصولاً الى استقالة الحكومة منذ أيام». وقال: «لا يمكننا إلاّ ان نتمنّى استمرار التقاليد المتجذرة للتعايش، والاحترام والحوار، وتمتينها أكثر وأكثر، وأن تتمكَّنَ الحكمةُ المكتسبة من الخبرة الطويلة من إيجاد الحلول الملائمة. ويجب الاعتراف بأننا عبرنا في ما مضى دروبَ مواجهة، بعضنا للبعض الآخر، وأن الجميع كان خاسراً. فعلينا أن نتعلّمَ السيرَ معاً على دروب الحقيقة التي لا تتعارض مع السلام في إطار العدالة التي لا تتحقّق إلاّ إذا رافقَتها روحُ المصالحة، لنسير سويّة، متجاوزين الماضي، نحو مستقبلٍ مختلف. بهذا المعنى، نشكركم، يا فخامة الرئيس، على المثابرة في جهودكم التي بذلتموها للحفاظ على روح التوافق، وهي الدعامةُ الأساسيّةُ لوحدة الدولة واستقرارها السياسيّ».