قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن «اعتبارات موضوعية» ارجأت لعقود تتعلق بالمعادلة الاستراتيجية في المنطقة، إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، مشدداً على أنه ما كان لأحد أن يتنازل عن الجزيرتين لو كانتا أرضاً مصرية. وفيما قال وزير شؤون مجلس النواب المستشار عمر مروان إنه بعد موافقة البرلمان أول من أمس على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية الذي آلت بمقتضاه ملكية الجزيرتين إلى المملكة، فإنها ستصبح سارية وتدخل حيز التنفيذ بمجرد تصديق رئيس الجمهورية عليها، دخلت المحكمة الدستورية العليا في مصر على خط الجدل القانوني بتقرير لهيئة المفوضين في المحكمة أوصى برفض وقف تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان الاتفاقية. في غضون ذلك، صعدت جماعة «الإخوان المسلمين» ونشطاء يساريون ضد الحُكم بالدعوة إلى تظاهرات اليوم في مختلف المحافظات احتجاجاً على إقرار البرلمان للاتفاقية. وقالت جماعة «الإخوان» في بيان إن تلك الاحتجاجات هدفها «إسقاط النظام». وانتقد نشطاء دعوة «الإخوان» التي من شأنها وصم المتظاهرين بأنهم تابعون للجماعة. وكانت الشرطة فضت مساء أول من أمس تظاهرة محدودة في وسط القاهرة شارك فيها رموز من التيار اليساري، بينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وأكد شكري، في تصريحات لصحافيين وكُتاب خلال إفطار نظمته وزارة الخارجية أول من أمس، إن جزيرتي تيران وصنافير لها وضع قانوني أقرت به مصر منذ 1990 في خطابات ومراسلات عدة. وسُئل شكري عن أسباب عدم ترحيل هذا الملف في المرحلة الحالية تجنباً لتداعياته، فرد: «هذا الموضوع كان محل تسويف منذ فترة طويلة، منذ أربعة أو خمسة عقود. على أي أساس يمكن أن نتخذ موقفاً بالتسويف في إطار علاقة تتسم بالخصوصية بين دولتين وشعبين؟ وهل هي نظرة ضيقة إلى مصلحة ذاتية أم من المفروض أن تكون العلاقة مبنية على المبادئ في مواجهة المشكلات والقضايا في شكل مباشر؟». وأضاف: «إذا كانت الجزيرتان أرضاً مصرية ما كان لأحد أن يتنازل عنها. ولكن من البداية هي أرض لها وضع قانوني أقرت به مصر في 1990 في الخطابات التي أشارت حينها إلى استمرار الوضع على ما هو عليه رغم الإقرار بالسيادة على الجزيرتين للمملكة. فالظروف في تلك المرحلة كانت مغايرة تماماً للظروف التي نعيشها اليوم، في ما يتعلق بالمعادلة الاستراتيجية في المنطقة، والاحتياجات الخاصة بالعلاقات القائمة اتصالاً بالجزيرتين، والوضع القائم وارتباطهما بمعاهدة السلام وغير ذلك. فكان تأجيل هذا الأمر في 1990 لاعتبارات موضوعية وليس إرجاء مبرراً لفكرة عدم التعامل مع القضية». وأضاف شكري: «ما دام هناك تواصل ومطالبة وتغير للظروف يتيح أن نسير في هذا الأمر وفقاً لمعايير فنية واتفاقية ليست معنية بالجزر فقط بل تتضمن استغلالاً للموارد، كان من الضروري أن نسير قدماً في الإجراءات وفقاً للترتيبات بعد استكمال كل النواحي القانونية والفنية المرتبطة بالموضوع، وهي حرية الملاحة في المضيق والالتزامات الأمنية المترتبة على مصر ومعاهدة السلام، وغير ذلك من نقاط كان من الضروري أن يتم العمل على توظيفها». في غضون ذلك، لاح في الأفق نزاع قانوني ودستوري بخصوص اتفاقية ترسيم الحدود، التي أقرها البرلمان على رغم صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بإبطالها، وهو الحكم الذي أقامت هيئة قضايا الدولة، الممثلة للحكومة أمام المحاكم، دعوى منازعة لوقف تنفيذه أمام المحكمة الدستورية العليا، مستندة إلى أن المحكمة العليا في مصر أرست في أحكام سابقة لها مبادئ دستورية تناقض حكم المحكمة الإدارية العليا، من حيث اعتبار الاتفاقات الدولية عملاً من أعمال السيادة التي لا يجوز للقضاء التصدي لها. وانحاز تقرير هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا للمحكمة الإدارية العليا، وأوصت الهيئة في تقريرها الاستشاري الذي رفعته إلى المحكمة الدستورية برفض منازعة وقف التنفيذ التي أقامتها هيئة قضايا الدولة، معتبرة أن أحكام الدستورية العليا في شأن أعمال السيادة التي استندت إليها هيئة قضايا الدولة لا تنطبق على اتفاقية ترسيم الحدود. وتنظر المحكمة الدستورية العليا في منازعتي تنفيذ متعلقتين بحكم الإدارية العليا في 30 تموز (يوليو) المقبل، الأولى تطلب وقف تنفيذ حكم إبطال الاتفاق استناداً إلى أحكام سابقة للمحكمة الدستورية، والثانية تتعلق بصدور حكمين متناقضين أحدهما من الإدارية العليا ببطلان الاتفاقية والآخر من محكمة الأمور المستعجلة، وهي محكمة مدنية، بالمضي في تنفيذ الاتفاقية. وقال نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المتحدث باسمها المستشار رجب سليم إن الرأي الاستشاري لهيئة المفوضين في المحكمة في شأن منازعتي التنفيذ لم يتعرض مطلقاً لتحديد تبعية جزيرتي تيران وصنافير لأي من مصر أو السعودية. وأضاف في بيان أن تقرير هيئة المفوضين لم يتناول اختصاص أي من جهتي القضاء الإداري أو القضاء المستعجل حول ما إذا كان التوقيع على الاتفاقية يخضع للرقابة القضائية من عدمه بوصفه عملاً من أعمال السيادة أم غير ذلك، مشيراً إلى أن ذلك الأمر موضوع دعوى تناقض أحكام لم ينته تحضيرها بعد ولم يصدر فيها تقرير عن هيئة المفوضين، في حين أن منازعة التنفيذ التي يتصدى لها التقرير تدور حول الفصل في ما إذا كان حكم محكمة القضاء الإداري يناقض الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا في شأن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية من عدمه. وأكد أن المحكمة الدستورية العليا تترفع عن الزج باسمها في أي نزاع ذي طابع سياسي، وتباشر اختصاصاتها المسندة إليها وفقاً للدستور والقانون، ولا تتعداها إلى ما يجاوزها. وأودعت هيئة المفوضين في المحكمة تقريرها لدى المحكمة، وقد أوصى بعدم قبول دعوى هيئة قضايا الدولة بطلب عدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية. وسيثور جدل دستوري في حال أقرت المحكمة الدستورية العليا صحة حكم المحكمة الإدارية العليا، إذ كان رئيس البرلمان علي عبدالعال قال في مستهل مناقشات مجلس النواب للاتفاقية الثلثاء الماضي إن البرلمان لن يُعتَد بأي حكم قضائي صادر بشأنها.