جوبا (السودان) - أ ف ب - في استوديو واحد ومع مذيعين ومقدمي برامج هواة، يستعد تلفزيون جنوب السودان للتحول الى التلفزيون الرسمي للدولة الجديدة تحت شعار «أفريقي أصيل»، موزعاً برامجه بين الإنكليزية و «لغة عربي جوبا». وتعتبر هذه اللغة وهي الأقرب الى اللهجة، القاسم المشترك لغوياً بين سكان الجنوب أكثر من اللغة الإنكليزية الرسمية التي هي وقف على المتعلمين. ويستخدم الأميون الذين يشكلون 85 في المئة من السكان لغة «عربي جوبا»، كما يسميها الجنوبيون، إضافة الى لغاتهم المحلية، وهي لغة عربية ركيكة دخلتها كلمات أفريقية كثيرة بلكنة محلية ظاهرة بقوة. مقر التلفزيون وسط جوبا عبارة عن استوديو يتيم وغرفة صغيرة ملحقة به للتقنيين ومدخل بسيط لاستقبال الزوار تستخدمه المذيعات أيضاً للتبرج. ولولا عمود إرسال طويل وطبقان كبيران لالتقاط الأقمار الاصطناعية في باحة المقر، لما كان بالإمكان التفريق بين هذا البناء المتهالك والمنازل المتواضعة المحيطة به. المدير العام للإذاعة والتلفزيون في جنوب السودان اروب بقات تينقدوت يعمل ب «بموازنة متواضعة جداً» لم يكشف عنها، ويؤكد أن «غالبية الموظفين من المتعاونين وليسوا مثبتين بعد ورواتبهم بسيطة جداً». ويقول في حديث مع وكالة «فرانس برس» من مقر موقت له خارج مقر التلفزيون: «لولا الحماسة التي لدينا لمواكبة ولادة الدولة الجديدة لما كنا أصلاً أنشأنا تلفزيون جنوب السودان عام 2008 المتصل بالقمر الاصطناعي عربسات». ويضيف: «ليس لدينا محترفون ولا كادرات، والمذيعون ومقدمو البرامج هواة وقفوا أمام الكاميرا من دون استعداد ولا تدريب»، معتبراً أن المطلوب قبل كل شيء «هو إعداد دورات تدريبية للموجودين والسعي الى استقطاب كوادر من الخارج لديهم خبرات في المجال التلفزيوني لإحداث النقلة النوعية المطلوبة». ويتابع إن «المال شحيح وهو يأتي حصراً من حكومة الجنوب ولا مساعدات خارجية بعد». ويوضح أن «ساعات البث التلفزيوني مقسمة بالتساوي بين الإنكليزية والعربية، فهناك نشرة أخبار يومية بالإنكليزية وأخرى بالعربية الفصحى، في حين تعتمد البرامج الحوارية لغة عربي جوبا». ويضيف انه «يتم يومياً ولوقت قصير بث رسائل في 16 لغة ولهجة محلية هي عبارة عن أخبار مهمة لها علاقة بسكان الأرياف في شكل خاص». مذيعة الاخبار مايو جيمس اماجوك (29 سنة) تبتسم كل الوقت وتروي كيف أكسبها التلفزيون شهرة، وتقول: «يستوقفني بعض الناس في الشارع ويخاطبونني باسمي مايو. كنت في البداية أتعجب وأسألهم إن كنا التقينا قبلاً، فيأتي جوابهم انهم يعرفونني من التلفزيون». بدأت بالعمل في تلفزيون جنوب السودان منذ انطلاقه عام 2008، وهي تحمل شهادة تربية وآداب عربي وإنكليزي من جامعة جوبا. وتقول وهي تقف تحت شعار تلفزيون جنوب السودان «أفريقي أصيل» إن «والدي لم يمانع أبداً أن أعمل في التلفزيون، فهو مهندس زراعي ولم يكن يتصور أن أحداً من أولاده الثمانية يمكن ألا يصل الى المستوى الجامعي». وتضيف: «لقد حقق أمنيته هذه حتى انه منعنا كبنات من الزواج قبل الحصول على الإجازة الجامعية». ما تريده مايو هو «دورات تدريبية في الخارج»، وتقول: «أريد أن أتعلم المونتاج، فأنا لا أعمل مذيعة فقط بل مراسلة ومحررة أخبار ومذيعة في الوقت نفسه». زميلتها ليندا نلسون مايكل (30 سنة) مقدمة برامج حوارية كانت أوفر حظاً منها، إذ حصلت على منحة دراسية وأنجزت دارستها الجامعية في عمان في الأردن. تقول: «بفضل الكنيسة الانغليكانية التي انتمي إليها، حصلت على منحة لمتابعة دروسي في الأردن، وحصلت على بكالوريوس في التربية قبل أن أعود الى جوبا حيث مارست تدريس اللغة العربية ثم انتقلت الى التلفزيون». لغة ليندا العربية جيدة بسبب دراستها الأردنية، وتقول: «أشعر بثقل المسؤولية، خصوصاً بعد أن تعلن الدولة الجديدة، فعلي أن أساهم في توعية شعبنا الذي لا يزال يعاني من التخلف الشديد في نواح عدة». وبما أن الهدف هو الوصول الى أكبر فئة ممكنة من السكان فهي تتكلم لغة «عربي جوبا». وتضيف: «أركز على المواضيع التي تهم الشبان من عمل وبطالة وتعليم ووقاية صحية وغيرها، وأفضل الابتعاد عن السياسة. لكن بوجود الاستفتاء خصصنا غالبية برامجنا لهذا الموضوع المصيري بالنسبة إلينا». وبعد أن تجاوزت نسبة المشاركين في الاستفتاء بكثير نسبة 60 في المئة من المسجلين، بات شبه مؤكد أن يصل جنوب السودان الى الانفصال، وبالتالي الى إقامة دولته الجديدة. ولن تعرف نتائج الاستفتاء قبل مطلع شباط (فبراير) المقبل.