قبل يومين شعرت بما شعر به ذلك «الأطرش في الزفّة»، فقد ذهبت الى مؤتمر صحافي في لندن للمنتدى الاقتصادي العالمي، ووجدت ويا للهول، ان المؤتمر عن الأخطار التي تواجه الاقتصاد وليس عن الميديا، فالعادة منذ سنوات ان يعقد المنظمون جلسة في لندن تسبق الاجتماع السنوي في دافوس وقد حضرتها كل سنة وشاركت في النقاش بصفتي عضواً في مجموعة قادة الميديا. هذه المرة اتصلت بي السكرتيرة وأنا على سفر وأبلغتني عن وصول الدعوة، واعتقدت انها جلسة الميديا إياها، فطلبت منها ان تقبل وتعد لي أوراق المشاركة. وهكذا كان، وبدل أن أجد نفسي بين مجموعة من الزملاء أعرف أكثرهم، وجدتني محاطاً برجال مال وأعمال وصحافيين ومراسلين اقتصاديين. واتصلت فوراً بالأخت رلى خلف، المسؤولة عن الشرق الأوسط في جريدة «الفاينانشال تايمز» فهي صلتي الوحيدة بميديا البزنس، وقالت إنها لن تحضر المؤتمر، وقلت لها ممازحاً انني احتجت اليها مرة واحدة في العمر ولم أجدها. «الأطرش في الزفة» الذي هو أنا قرر أن يجلس ويسمع طالما ان «من حضر السوق باع واشترى»، غير ان ما سمعت لم يكن مريحاً البتة، فقد تناوب المتحدثون على تخويفي حتى انني في النهاية كنت أضع يدي في جيب البنطلون حرصاً على الجنيهات القليلة فيه. حذّر متحدث من ضغوط على مثلث الماء والغذاء والطاقة، أي انه لم يترك شيئاً، وبدأ العرق يتصبب من جبيني وأنا أسمع أن الأسعار ستزيد 50 في المئة، إلا أنه أكمل قائلاً إن الزيادة هذه متوقعة مع حلول 2030، وقلت في سري إذا عشنا. وتبعه متحدث آخر دعا الحاضرين الى متابعة أخطار على: - أمن التكنولوجيا الحديثة. - تحديات زيادة السكان والفرص المتاحة للأعداد المتزايدة. - أمن الموارد الطبيعية. - التراجع عن العولمة، بمعنى وجود اتجاه ضد العولمة لأنها لم توفر للناس ما كان منتظراً منها. - أسلحة الدمار الشامل. كانت هناك أخطار أخرى إلاّ إنني لم أفهم ما سمعت فأتجاوزه الى ما اعتقدت انه مفهوم ثم تبين لي إنني أسأت الفهم. رافق حديث خبير مالي رسم بياني مفصل على شاشة كبيرة موضوعه أزمة ديون الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً، وكانت أسماء الدول مسجلة بالحروف الأولى منها، وقرأت اليونان في أعلى قائمة الديون وبعدها إيطاليا وإرلندا، وما اعتقدت انه اسرائيل، واكتشفت بسرعة انه ايسلندا لتشابه الحروف، فلم تتح لي فرصة أن أفرح أو أشمت بدولة مجرمي الحرب. وكانت روسيا قرب أسفل القائمة بين أقل الدول ديوناً، وتحتها الصين، ولم أقرأ أي أسماء عربية فنحن على الهامش. هل يريد القارئ أن يعرف كم كانت التوقعات سلبية؟ حتى الطقس لم يسلم من الخبراء، وسمعت ان سوء الطقس في السنوات الأخيرة زاد بنسبة 12 في المئة و15 في المئة و17 في المئة. إلا انه زاد سوءاً بنسبة 35 في المئة سنة 2009 و49 في المئة سنة 2010. جلست أفكر في حظي «الهباب» فكأن سوء الأخبار السياسية، خصوصاً العربية، لا يكفي حتى أواجه بالأخطار على دنيا المال والأعمال. كنت أعتقد ان الاقتصاد العالمي تحسّن بعد سقوط الشيوعية التي عطلت المسيرة حوالى 70 سنة، ومن دون أن يرى الشيوعيون الأوائل ان اختيارهم اللون الأحمر لأعلامهم هو طريق الفشل، لأن الأحمر يعني الدَّيْن، والأسود الفائض، وهناك عبارة بالانكليزية هي «في الاحمر» وتعني ان موضوع الكلام غارق في الدين. شخصياً، لم أحب الاقتصاد مع الشيوعية ومن دونها، فقد كنت أعرف قانون العرض والطلب في الجامعة وأنا محاط بالطالبات الحسان، إلا انني عندما عرضت لم أجد طلباً. وتخرجت ولم أجد مالاً يذكر، وأقنعت نفسي بأن الفقر ليس سيئاً، فأنت معه لا تحتاج الى شراء جهاز للإنذار من السرقة. غير أنني لا أزال أحاول أن أتفاهم مع الفلوس، وقبل أيام طرأت لي فكرة عبقرية، وزملاء كثيرون من «الحياة» يدخنون، ويخرجون من مكاتبهم الى الشارع ليدخنوا في البرد. واقترحت عليهم ان يتوقفوا عن التدخين ويعطوني ما ينفقون من الفلوس على السجاير في بلد يزيد ثمن العلبة الواحدة فيه على عشرة دولارات، وقلت انهم إذا فعلوا يكسبون صحة وأنا أكسب مالاً، أي صفقة ربح - ربح التي يطلبها رجال المال سَجيس الليالي (عدت الى الأدب وفقره) ويقصِّرون عنها. باختصار، الزملاء رفضوا عرضي هذا كما رفضت طالبات الجامعة عرضي السابق. [email protected]