قبل حوالي عقدين اتفقت الأحزاب الرئيسية في المعارضة المغربية على إطاحة حكومة رئيس الوزراء وقتذاك عزالدين العراقي، وقدّمت خطة سحب الثقة منها عن طريق الكتل النيابية في البرلمان. غير أن حكومة العراقي استمرت بسبب عدم حيازة المعارضة غالبية مطلقة تتيح لها اطاحتها. الآن تواجه حكومة عباس الفاسي وضعاً مماثلاً، لكنه لم يصل إلى طلب سحب الثقة. إذ اكتفى حزب «الأصالة والمعاصرة» بالإعلان عن خروجه إلى المعارضة عشية بدء الحملات الانتخابية لاقتراع البلديات في 12 حزيران (يونيو). وذكرت وكالة الأنباء المغربية الرسمية أمس أن العاهل المغربي الملك محمد السادس «جدد الإعراب عن الثقة الملكية السامية في الوزير الأول السيد عباس الفاسي وفي الحكومة لمواصلة ومضاعفة جهودها للنهوض بالاصلاحات والورش الكبرى». وجاء موقف القصر بعدما أعلن الامين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» محمد الشيخ بيدالله أن المكتب السياسي لحزبه الذي له 46 نائباً في مجلس النواب من أصل 325 انسحب من الغالبية الحكومية وانضم إلى صفوف المعارضة. وما يجمع بين الفاسي والعراقي أن الرجلين ينتسبان إلى حزب الاستقلال، غير أن الطريق فرّقت بينهما. فقد انسحب العراقي من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في ثمانينات القرن الماضي بعد أن كان وزيراً للتعليم في حكومة رئيس الوزراء الراحل المعطي بو عبيد. أما الفاسي فلا يزال يقود ائتلافاً حكومياً يضم أحزاب المعارضة السابقة - الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية - لكنه يواجه تململاً داخل الغالبية النيابية التي تدعمه في البرلمان. «لن يصل خروج «الأصالة والمعاصرة» إلى المعارضة إلى حد طلب سحب الثقة من حكومة الفاسي»، يعلّق أحد القياديين في الغالبية النيابية. ويضيف أن وزير التعليم أحمد فشيشن عيّن في منصبه نهاية عام 2007 قبل الإعلان عن تشكيل «الأصالة والمعاصرة»، لكنه أصبح عضواً في قيادة الحزب، ما يفرض عليه الاختيار بين الاستمرار في حكومة الفاسي أو طلب استقالته. غير أن الدستور المغربي يرهن تعيين الوزراء واقالتهم بقرار الملك واقتراح رئيس الوزراء. ولا يُعرف إن كان الفاسي سيرد على موقف «الأصالة والمعاصرة» بطلب إقالة وزير التعليم أم سيبقي عليه لتصريف أعمال الوزارة إلى حين حدوث تعديل حكومي يُرجّح اللجوء إلىه بعد الانتخابات أو في بداية الموسم السياسي في خريف العام الجاري. عندما هدد نواب ومستشارون في «الأصالة والمعاصرة» بتقديم استقالاتهم من المؤسسة الاشتراعية، احتجاجاً على قرار رفض ترشيحات «النوّاب الرحّل» الذين يغيّرون ولاءاتهم الحزبية، كان واضحاً أنهم يرغبون في احراج حكومة الفاسي. لكن القوانين الانتخابية تفرض اختيار النواب والمستشارين الذين يأتون في المرتبة الثانية في ترتيب احتلال مقاعد المنتخبين، ما حتّم معاودة النظر في القرار الذي يوصف بأنه لم يكن يخرج عن نطاق «المناورات الانتخابية». وعندما جرى التفكير في إطاحة حكومة الفاسي لم يكن المنتسبون إلى «الأصالة والمعاصرة» يشكّلون غالبية كافية لعرض سحب الثقة أمام مجلس النواب. ويرى مراقبون أن خروج «الأصالة والمعاصرة» إلى المعارضة كان حلاً وسطاً، لكن تداعياته لا بد أن تنعكس على تحالفات الحزب في مجلس النواب، أقلها أنه يرتبط و «تجمّع الأحرار» بزعامة رئيس مجلس النواب مصطفى المنصوري بتحالف كتلتهما النيابيتين، ما يعني أن التجمع المشارك في الحكومة سيكون مضطراً لفك ارتباطه مع «الأصالة والمعاصرة»، أو أنه سيترك الحرية لنوابه في اختيار المواقف التي يرتضونها إزاء الحكومة. ويقول مصدر آخر إن حكومة الفاسي لن تواجه صعوبات في تمرير مشاريع قوانينها أمام مجلس النواب، بخاصة أن الولاية الاشتراعية تقترب من نهايتها. وليس في أجندة الحكومة قضايا حيوية تفرض طرحها على المؤسسة الاشتراعية، ما يعني أن فترة الصيف ستكون بمثابة هدنة لالتقاط الأنفاس. إلا أن ذلك لا يلغي الاعتقاد في أن حكومة الفاسي لن تكمل عامها الثاني من دون صعوبات. فمن جهة، برزت الاشكالات السياسية والقانونية التي يطرحها خروج «الأصالة والمعاصرة» إلى المعارضة، ومن جهة ثانية بدأت تظهر تصدّعات في الغالبية النيابية الحالية. فالعلاقات بين الحليفين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي وهما حزبا «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي» ليست على ما يرام، والاختيار الذي سينزع إليه «تجمع الأحرار» من شأنه أن يرجّح كفة هذا الخيار أو ذاك. غير أن العيون ما زالت جاحظة ازاء الموقف الذي يمكن أن تؤول إليه التطورات، لا سيما أن تكتل «الحركة الشعبية»، الذي اضطر بدوره إلى الخروج إلى المعارضة على خلفية تشكيل حكومة عباس الفاسي، بإمكانه أن يعود إلى الواجهة. وهكذا يبدو أن كل الاحتمالات وارد، وأن انتخابات البلديات قد تفجّر تناقضات كثيرة.