شهدت تونس أمس يوماً طويلاً من المواجهات بين قوات الأمن وآلاف المحتجين انتهى بسقوط نظام حكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي غادر البلاد مساء وتسلّم السلطة مكانه الوزير الأول محمد الغنوشي الذي أعلن توليه الحكم بعدما تعذّر على رئيس الدولة القيام بمهماته الدستورية. وأعلنت السلطات التونسية فرض حال الطوارئ وحظر التجول لفترة 12 ساعة كل يوم وتسليم الجيش مسؤولية الأمن في البلاد. وجاء سقوط نظام الرئيس بن علي في ظل حال غليان في الشارع وتظاهرات دامية أوقعت ما لا يقل عن 13 قتيلاً جديداً. وكان وزير الخارجية التونسي كمال مرجان قال أمس إن الرئيس بن علي مستعد لاجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل انتخابات الرئاسة المقررة عام 2014 بحلول نهاية فترة ولايته. وأشاد مرجان برد فعل زعيم المعارضة نجيب الشابي الليلة قبل الماضية على الوعود التي أعلنها بن علي في خطابه مساء الخميس وكان من بين الخيارات التي طرحها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمه. وقال مرجان خلال مقابلة مع اذاعة «أوروبا 1» الفرنسية لدى سؤاله إن كان تشكيل ائتلاف حاكم من الخيارات المطروحة: «في وجود رجل مثل الشابي وما أبداه من سلوك بالامس أعتقد أن هذا ممكن بل وطبيعي تماماً». وكان بن علي تعهد ليل الخميس في خطابه الثالث منذ بدء الحركة الاحتجاجية، عدم الترشح مجدداً للرئاسة في انتخابات العام 2014 وأمر بوقف اطلاق النار على المتظاهرين، وتعهد ضمان حرية الاعلام والانترنت. وبعد ساعات من كلمة بن علي عادت مواقع على شبكة الانترنت كانت قد حجبت منذ اسابيع ومنها موقع «يوتيوب» وموقع «ديلي موشن». وقبل الإعلان عن تنحي بن علي تحت ضغط ما يوصف بأنه انتفاضة شعبية، شهدت العاصمة مواجهات شديدة عندما تجمع قرابة خمسة آلاف متظاهر أمام وزارة الداخلية محاولين اقتحامها وكذلك اقتحام المصرف المركزي حيث تصدت لهم قوات الأمن بقوة مستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع. وكان المتظاهرون يهتفون ضد الرئيس بن علي مطالبين بتنحيه. وذكرت «رويترز» أن الدموع كانت تتدفق من أعين كثير من الناس الذين يفرون من موقع التظاهرة بسبب تنشقهم الغاز المسيل للدموع. وقال أمين بن ملوكة (21 عاماً) إن «حافلة جاءت وبها (رجال) شرطة وبدأوا اطلاق الغاز المسيل للدموع. وفرت النساء والاطفال وجميع الناس». ورداً على سؤال عن تعهدات الرئيس بن علي بتوفير مزيد من الحريات، رد قائلاً: «نحن نحتج اليوم لأننا نعرف انه لا يقول الحقيقة». وقالت مصادر طبية وشهود إن ما لا يقل عن 13 شخصاً قُتلوا في اشتباكات متواصلة منذ ليل الخميس في العاصمة التونسية ومدينة رأس الجبل في شمال شرقي البلاد. وقال مصدر من مستشفى شارل نيكول لوكالة «رويترز» إن عشرة من الضحايا قتلوا بعد اشتباكات في مدينة تونس، في حين قالت شاهدة من رأس الجبل ذكرت أن اسمها نرجس: «رأيت قتيلين بعيني بعدما أطلقت الشرطة النار على الشبان». كذلك استمرت التظاهرات أمس في سيدي بوزيد البلدة التي بدأت فيها موجة الاضطرابات حين أشعل شاب النار في نفسه في كانون الأول (ديسمبر) احتجاجا على البطالة. وقال شهود ان مسيرة تضم آلافاً عدة طالبت بتنحي الرئيس فوراً. وقال سليمان الرويسي النشط النقابي ل «رويترز» في اتصال هاتفي: «هناك آلاف منا هنا. جئنا بالآلاف لنقول لابن علي ارحل». وشهدت مدن تونسية عديدة مواجهات مماثلة بين محتجين وقوات الأمن من دون أن ترشح معلومات عن عدد الضحايا أو الإصابات الممكن أن تكون قد وقعت. رد فعل المعارضة وشكّك معارضون وناشطون في تونس في قدرة الرئيس زين العابدين بن علي على تنفيذ الوعود التي قطعها بعدم الترشح مجدداً للرئاسة في 2014 وبارساء ديموقراطية حقيقية بعد 23 سنة من الحكم بلا منازع. وظل أنصار الرئيس بن علي حتى فترة قريبة يدعونه إلى الترشح مجدداً في 2014، وهو أمر يتطلب مراجعة الدستور التونسي الذي يحدد سن الترشح ب 75 عاماً. وقال الصحافي المعارض أيمن الرزقي: «نريد جدولاً زمنياً لتطبيق الوعود» مترجماً بذلك شعور العديد من ممثلي المجتمع المدني المشككين في نيات الرئيس التونسي. ويشير معارضون إلى أن «نظام بن علي ظل طوال 23 عاماً من السلطة يستخدم لغة مزدوجة حيث يؤكد احترام النظام حقوق الانسان في حين يتعرض باستمرار لانتقادات منظمات حقوق الانسان». ويؤكد مختار اليحياوي القاضي المعارض في هذا السياق: «الرأي عندي والرأي الغالب أن الوضع لا يتطلب قرارات بل اجراءات وأولها تغيير رموز السلطة». ويضيف: «أنا مع أن يتم التغيير بصورة حضارية ودستورية وسلمية وشخصياً ليست لدي مشكلة في بقاء بن علي لفترة انتقالية لكن عليه ان يتخلص من بطانة السوء والفساد الذي يطاول اقرب المقربين منه». وأضاف انه مع بقاء بن علي «لفترة انتقالية حتى لا يحدث فراغ في السلطة». في المقابل قالت مي الجريبي الأمينة العامة للحزب الديموقراطي التقدمي (معارضة قانونية) لوكالة «فرانس برس» وهي تقف امام وزارة الداخلية: «الشعب التونسي يريد تغييراً حقيقياً، وإلا فسيكون هناك حمام دم». أما سناء بن عاشور رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات فقد أكدت ان «لا بد أن يرحل بن علي ولا بد من انتخابات اخرى يختار فيها الشعب رئيسه». وأضافت أن «الشعب التونسي قال لا للظلم والسرقة». ورأت أن القرارات التي اعلنها الرئيس التونسي مساء الخميس وبينها بالخصوص عدم ترشحه مجدداً للرئاسة وحرية الاعلام والانترنت «لن تنفع ولا تستجيب لما ينتظره الشارع». وتابعت أن بن علي «يتصور انه باصلاحات صغيرة سيتمكن من رسم مستقبل البلاد. لكن من الواضح ان التونسيين قالوا يكفي لهذا النظام الذين لم يعودوا يريدون ان يحكمهم». في المقابل قال أحمد الاينوبلي الأمين العام للاتحاد الديموقراطي الوحدوي (معارضة قانونية) ل «فرانس برس»: «نعتبر ما صدر عن الرئيس كاف ليفتح الافق للتهدئة». وأضاف أن «المهم هو التفات كل القوى الوطنية نحو المستقبل ووضع آليات لتطبيق الاجراءات المعلنة». وأكد أن «الاحتجاجات انطلقت بريئة ثم تحولت الى صراع اجندات أجنبية في تونس لديها رموزها المعروفة في البلاد». وقال: «في هذا الظرف نحن مع انهاء بن علي مدته الرئاسية لينفذ ما وعد به وحتى لا يكون هناك فراغ في السلطة قد يؤدي إلى المجهول ومع الخيار الوطني وضد الاجندات الخارجية». وأعرب (أ ف ب) زعيم حزب النهضة الإسلامي المعارض التونسي راشد الغنوشي في حديث نشرته صحيفة «لو سوار» البلجيكية الجمعة عن اقتناعه بأن حركة الاحتجاج الحالية في تونس ستطيح نظام الرئيس بن علي. وأكد القيادي الاسلامي في اتصال هاتفي من لندن أن «نظام الحزب الواحد انتهى. نظام المافيا هذا انتهى، الشعب يريد التخلص منه وستنتصر انتفاضته». وأضاف: «لا أظن أن هذا النظام قابل للاصلاح نظراً إلى طبيعته التي تشبه المافيا»، معتبراً أن «الشعب» التونسي «لا يريد الفساد ويطالب بديموقراطية حقيقية وليس بمجرد واجهة». وأكد الغنوشي (69 سنة) الذي كان مدرساً أن حزبه «ليس وراء حركة الاحتجاج الحالية» وانه «بعيد جداً عن ذلك». إلا أنه أشار إلى ان بعض المسؤولين المقربين من حزب النهضة المحظور في تونس، تفاوضوا حول اتفاقات مع احزاب علمانية مثل الحزب الديموقراطي التقدمي والحزب العمال الشيوعي. وقال: «نحن متفقون على مجتمع يقوم على أسس ديموقراطية تتضمن احترام حقوق الانسان وحرية المعتقد»، «اما في ما يخص وضع المرأة» الذي يعتبر من افضل الاوضاع في العالم العربي والاسلامي «فإننا قد قبلناه في 1988». وأعرب عن أمله في العودة سريعاً إلى تونس من منفاه في بريطانيا. ودعت فرنسا أمس الرئيس التونسي إلى الوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه ووصفتها بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح. وقال برنار فاليرو الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن ندعو الى وقف العنف... والتزامات الرئيس التونسي على هذه الساحة قوبلت بترحاب». وأضاف في لقاء معتاد مع الصحافيين: «الخطوات التي أعلنها الرئيس تسير في الاتجاه الصحيح ونأمل في تنفيذها». كذلك رحّب الاتحاد الأوروبي الجمعة بخطاب الرئيس التونسي. وقالت مايا كوسيانسيتش الناطقة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون: «نأخذ علماً بهذا الاعلان الذي يوجد بنظرنا فرصة لانتقال هادئ للسلطة» في تونس. ورحّبت بالتعليمات التي أصدرها الرئيس لقوات الأمن بوقف «اللجوء للرصاص الحي إلا في حالة هجوم» على رجال الأمن واعلانه «الحرية الكاملة» للإعلام والانترنت في تونس. وفي باريس (أ ف ب)، قدم سفير تونس في اليونيسكو المازري حداد استقالته من منصبه الجمعة بعد أيام من مناشدته الرئيس زين العابدين بن علي «وقف حمام الدم». وقال حداد في رسالة وجهها إلى الرئيس بن علي وحصلت وكالة «فرانس برس» على نسخة منها: «أتوجه إليكم بهذه الرسالة وأضع استقالتي بين يديكم»، موضحاً أنه لا يستطيع تحمل القمع الدموي لأعمال الشغب. وقال ل «فرانس برس»: «بوحي من ضميري قررت الانسحاب (...) لم أعد استطيع تحمل سقوط قتلى، لا يمكنني أن أرى بلادي في الفوضى». وفي برلين (أ ف ب)، أعلن الفرع الألماني لشركة «توماس كوك» السياحية البريطانية انه أعاد الجمعة الى المانيا نحو ألفي سائح كانوا في تونس والغى كافة رحلاته الى ذلك البلد حتى 17 كانون الثاني (يناير). وفضّلت شركة «تي.يو.اي» المنافسة عدم إرغام ألف من زبائنها الالمان المتواجدين حالياً في ذلك البلد على العودة، كما أعلنت الجمعة. وأفيد الخميس عن عمليات نهب في منتجع الحمامات ما أثار قلقاً بين شركات السياحة الأوروبية وبخاصة الفرنسية والمتعاملة كثيراً مع تونس.