فرضت عودة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الى النجف نفسَها على الواقع الاجتماعي والسياسي في المدينة، فالبائع المتجول أحمد نجم يقول: «سيخلصنا (الصدر) من ظلم الشرطة التي تلاحقنا في باب رزقنا»، معبراً عن سعادته بعودته من إيران بعد أكثر من ثلاث سنوات. وأضاف أحمد أنه من أتباع الصدر، متذكراً المرحلة التي سيطرت خلالها ميليشيا «جيش المهدي» على المدينة عام 2004 «خلال هذه الشهور، التاجر كسب والفقير أكل الخبز». وعلى رغم مهاجمته كل من ينتقد زعيمه، إلا انه رفض العودة الى حمل السلاح: «نعم، ندعو الى تغيير وإصلاح الامور في المحافظة، لكن بعيداً عن السلاح. زمن لغة البندقية ولى». وللمرة الأولى منذ أربع سنوات، تعود صور الصدر الى شوارع المحافظة، حيث نصبت جدارية كبيرة على سطح احد الأبنية، عند مدخل المدينة القديمة، في أول شارع زين العابدين المؤدي إلى مرقد الامام علي بن ابي طالب، فضلاً عن نشر عدد كبير منها في المواكب الحسينية المعدة لخدمة زوار مناسبة اربعين الحسين بن علي، على طول الطريق الممتدة بين النجف وكربلاء. وعلى مبعدة بضعة أمتار من هذا الموقع تجمع عدد من العمال والكَسَبَة أمام متجر لبيع الأقراص المدمجة التي تبث خطاباً ألقاه الصدر من امام منزله الاسبوع الماضي، إضافة الى بث اناشيد خاصة بالتيار الصدري. وبدأت بعض المتاجر بيع صور الصدر الفوتوغرافية ليصل سعر متوسطة الحجم منها إلى 7 آلاف دينار عراقي، أي ما يعادل 6 دولارات، في حين كان مجرد رفع صورته في اي مكان قبل عامين يعرّض صاحب المكان الى الاعتقال. عودة الصدر الى النجف لم تفرض نفسها على الشارع فحسب، بل اتخذت اشكالاً عدة، أهمها المخاوف السياسية والامنية، والتأثير الذي يمكن أن يحدثه في الخريطة السياسية في المحافظة بواسطة «مكتب الشهيد» الذي يمثل مرجعية والده آية الله محمد محمد صادق الصدر. وتتوقع بعض المصادر إجراء تغييرات جوهرية في ادارة الملفات الدينية والثقافية والعسكرية والسياسية في التيار. وفي تصريح الى «الحياة»، نفى مساعد الصدر حازم الأعرجي «وجود بوادر لتقاطعات او أزمات مع محيطنا الوطني على الصعيدين السياسي والامني». وعما اذا كانت عودة زعيم التيار الصدري الى النجف تؤجج الصراع مع «المجلس الاعلى» بزعامة عمار الحكيم للسيطرة على المدينة باعتبارها مفتاح العملية السياسية في البلاد، قال الأعرجي: «نحن الآن نعيش مرحلة جديدة مع الشركاء في الوطن، لم نلمس أي نوع من الرسائل التي توحي بوجود مخاوف من الصدريين على صعيد النجف، كما ان سماحة السيد بعث برسائل سلام ومحبة الى الجميع. وكان موقفه إيجابياً من الحكومة، ودعا الى إفساح المجال امامها لتقديم الخدمات». وزاد «اذا كانت هناك جهة بعينها تخشى هذا الظهور فهي قوى الاحتلال». اما الشيخ ابو فاطمة الشمري، أحد خطباء الجمعة في مكتب الصدر، فقال ل «الحياة»، إن «هدنة الحكومة معنا مرهونة بموقفنا منها. اذا استمر دعمنا لها نأمن جانبها، وما ان يتغير الموقف حتى نتوقع منها كل شيء». وأضاف أن وجود الصدر «بيننا أشعرنا بأننا نتكئ على جبل، بعدما كنا نشعر باليتم قبل هذه الأيام، والجميع استباح التيار وتطاول عليه بالألسن واليد». وعما يثار من مخاوف داخل تيار الصدر من انعكاسات العودة على ادارة مؤسساته، قال الشمري: «تدور الآن احاديث كثيرة عن تغييرات ينوي سماحة السيد إجراءها، باستبدال المسؤولين عن الملفات الدينية والثقافية والسياسية». وعزا هذه التغييرات الى «اسباب كثيرة توجب التغيير ولا بد من مواجهة تحديات المرحلة الجديدة بما تستوجبه من اجراءات على الارض». وقلل ضابط رفيع المستوى، فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح الى «الحياة»، من اهمية ما يشاع عن توتر محتمل بين التيار الصدري وقوات الامن، وقال: «لا موجبات للتصعيد او التوتر». وأوضح ان «بعض قادة وضباط الاجهزة الامنية السابقين في النجف، يتحملون الجزء الاكبر من مسؤولية الصدام مع جيش المهدي او مكتب السيد الشهيد (الصدر) خلال الفترة الماضية». وتابع: «كان هناك أشخاص في قوات الامن من صنفين: الأول يتلقى أوامره من الحزب الذي ينتمي اليه، ويزج المؤسسة الامنية في صراع مع الصدريين، وينفذ اجندات سياسية باسم القانون والأمن. والثاني من طبقة وصولية من ضباط الجيش السابق، تعرضوا للتيار لإثبات ولائهم للحكومة. لكن عزل بعض هؤلاء او تسريحه ونقل آخرين من المحافظة، كفيل بتوثيق اواصر الثقة مع الجميع، وفي مقدمهم مكتب الصدر».