يستثمر الأفراد في أسواق المال العالمية عادة من خلال صناديق مشتركة أو محافظ جماعية، وفقاً لتسمية البعض، نظراً إلى تعدد أخطار هذا الاستثمار، بالإضافة إلى ضرورة توافر وعي وثقافة استثماريَّيْن عاليَين لدى المستثمرين في الأسواق المالية لترشيد قراراتهم الاستثمارية، سواء بالبيع أو الشراء، بالإضافة إلى أهمية اختيار الوقت المناسب لهذه القرارات. ويُلاحظ أن 90 في المئة من المستثمرين الأفراد في الدول المتقدمة يستثمرون في صناديق كهذه، ما أدى طبعاً إلى ارتفاع كبير في عدد هذه الصناديق وقيمة الأموال التي تديرها. تلعب هذه الصناديق دوراً مهماً في رفع مستوى كفاية الأسواق المالية العالمية، بعكس ما يحدث في أسواق المنطقة، حيث تسيطر سيولة المستثمرين الأفراد على حركة الأسواق المالية، ولا تتوافر لدى نسبة مهمة من المستثمرين الثقافة الاستثمارية المطلوبة، فيما يهيمن ضعف الاستثمار المؤسسي نتيجة لمحدودية عدد صناديق الاستثمار وقيمة أصولها، ما يرفع الأخطار نتيجة لانخفاض كفاية توزيع الأموال المستثمرة على الفرص الاستثمارية المتوافرة داخل الأسواق بسبب تهميش الأفراد لمعايير الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة، وهي ظواهر تنعكس تذبذباً مستمراً في مؤشرات أداء الأسواق. وكان «بنك أبو ظبي الوطني» أول مؤسسة مالية في المنطقة بادرت إلى تأسيس صندوق استثماري مشترك ومفتوح أمام المستثمرين الأفراد والمؤسسات، وذلك عام 2000، بالتزامن مع تأسيس السوقين الماليتين الإماراتيتين («سوق أبو ظبي للأوراق المالية» و«سوق دبي المالي»). ومع تطور أداء هاتين السوقين واتساع قاعدة المستثمرين فيهما، بادر المصرف إلى تأسيس العديد من صناديق الاستثمار المشتركة، بالإضافة إلى تأسيس صناديق استثمار من قبل مصارف وطنية إماراتية. ونتيجة للمكاسب الكبيرة التي حققتها هذه الصناديق، خصوصاً ما بين عامي 2003 و2005، حين حصل تحسن كبير في مؤشرات أداء الأسواق المالية، إذ تدفقت أموال ضخمة عليها، حققت الصناديق اتساعاً كبيراً في قاعدة مساهميها. ومع ذلك، لم يشكل عدد المستثمرين في هذه الصناديق وقيمة أصولها مقارنة بالقيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة، سوى نسبة بسيطة من عدد المستثمرين في السوق ونسبة بسيطة من القيمة السوقية لإجمالي الشركات. وتراجعت أعداد المستثمرين وقيمة أصولهم مع تراجع أداء الأسواق المالية نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، فأصبحت قيمة أصول هذه الصناديق لا تشكل سوى أربعة في المئة من القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة، فتراجع دور الصناديق في حركة السوق في شكل كبير مع تراجع حصة الاستثمار المؤسسي. المؤسف أن نسبة مهمة من المستثمرين في أسواق المنطقة لا يتوافر لديهم الوعي الكافي بأهمية الاستثمار في الأسواق المالية من خلال صناديق الاستثمار للحفاظ على مدخراتهم وتقليل الأخطار التي تحفّ بها، ما يستدعي وجود فريق متخصص ومحترف ومتفرغ لإداراتها والمتابعة اليومية لكل العوامل التي تؤثر في أدائها وأداء الشركات المدرجة وأداء الاقتصاد الكلي وأداء القطاعات الاقتصادية المختلفة. وتتميز الصناديق المشتركة بتنوع موجوداتها من أسهم الشركات المدرجة ومن مختلف القطاعات الاقتصادية بما يخفض مستوى الأخطار، إذ إن تركيز الاستثمار في أسهم شركة واحدة أو شركتين أدى إلى تعرض عدد كبير من المستثمرين الأفراد إلى خسارة جزء مهم من ثروتهم خلال الأزمة المالية العالمية الحالية. وتخدم صناديق الاستثمار شريحة صغار المستثمرين الذين لا تتوافر لديهم الإمكانيات المادية لتنويع استثماراتهم في أسهم الشركات المختلفة والقطاعات مختلفة يؤدي رفع مستوى الوعي بأهمية الاستثمار في الأسواق المالية من خلال صناديق الاستثمار في النهاية إلى تحول استثمارات أعداد كبيرة من المستثمرين الأفراد إلى هذه الصناديق بما يعزز قوة الاستثمار المؤسسي ويضعف سيولة الاستثمار الفردي في الأسواق المالية، بما يرفع مستوى كفاية هذه الأسواق ومستوى نضجها ويخفض مستوى أخطار الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة فيها. وتقع على هيئات الأوراق المالية وإدارات الأسواق المالية وإدارات المصارف الوطنية التي تملك قواعد كبيرة من الزبائن، مسؤولية تعزيز دور صناديق الاستثمار في المنطقة خلال هذه المرحلة للحفاظ على الثقة في الاستثمار في الأسواق المالية بحيث تبقى هذه الأسواق مرآة للاقتصاد الوطني تعكس واقعه ومستوى النمو في قطاعاته الاقتصادية. * مستشار للأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»