حذّرت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من ارتفاعات كبيرة لأسعار الغذاء، بما يعيد التذكير بارتفاعات الأسعار في 2008، التي نتج منها وصول عدد الجوعى في العالم الى بليون نسمة. ومن الأرقام التي صدرت عن المنظمة، فإن متوسط أسعار الأغذية العالمية بما في ذلك الحبوب وزيت الطبخ واللحوم ومنتجات الألبان قد ارتفع 25 في المئة في كانون الأول (ديسمبر) 2010 مقارنة بالشهر نفسه في 2009، وقفز سعر القمح بحسب التقرير بنسبة جاوزت 60 في المئة، وصعدت أسعار الذرة الأميركيّة أكثر من 50 في المئة، وزاد فول الصويا 34 في المئة، وبلغ متوسط ارتفاع أسعار الرز والقمح والذرة ما يصل الى 40 في المئة بين نهاية العام الماضي ومثيله السابق له، ويتوقع التقرير استمرار الارتفاعات، خصوصاً أن الزيادات كانت مستمرة وتراكمية خلال السبعة أشهر الأخيرة من العام الماضي. وان كانت ارتفاعات أسعار الغذاء في 2007 ومنتصف 2008 تعزى الى ارتفاع كلفة الانتاج نتيجة لزيادة أسعار النفط الذي بلغ 147 دولاراً للبرميل آنذاك، فإن أزمة العام الجديد تعزى بشكل اساسي الى الظروف الجوية التي أصابت رقعة كبيرة من الاراضي الزراعية المنتجة في العالم، فالقمح والذرة وفول الصويا تقلص انتاجها في دول اميركا الجنوبية خصوصاً الارجنتين والبرازيل والاوروغواي، نتيجة للجفاف الذي تزامن مع ظاهرة «اللانينا» La Niña، وهي مفردة اسبانية تترجم الى «البنت الصغيرة»، ولكنها في علم المناخ تشير الى انخفاض كبير في حرارة مياه المحيطات والبحار، بما يؤثر سلباً في مناخ وأمطار الدول المطلة والقريبة من هذه المياه. كما يعزى ارتفاع القمح والرز الى الفيضانات التي ضربت استراليا وباكستان، والحرائق التي شهدتها روسيا وتسببت في قرار منع تصدير القمح الروسي للخارج، وارتفاع معدل التضخم في الهند الى 18 في المئة خلال العام الماضي. وعلى رغم كبر حجم ارتفاعات الاسعار في العام الاضي وأوائل هذا العام، الا انها ما زالت اقل من ارتفاعات 2008 بحوالى 14 في المئة، واذا ما استمرت الظواهر البيئية السيئة في التواصل، فإن تهديداً حقيقياً ينتظر الفقراء، ويهدد بزيادة اعداد الجوعى والمعدمين في العالم. ولأن الارقام تشير الى زيادة حتمية في اسعار الغذاء، ولأننا في العالم العربي والخليج خصوصاً نستورد كل الاغذية تقريباً، فإن الاستعداد لمواجهة الارتفاع يعد امراً حتمياً يتطلب خطة استباقية لتحجيم الغلاء ما امكن في حدوده الدنيا، وحتى لا تنفرط سبحة التضخم من جديد، ويزيد تجار المواد الأخرى أسعار وارداتهم تماشياً مع الموجة من دون وجه حق كما حصل في منتصف 2008. فالغلاء الحالي يقتصر على اسعار الغذاء فقط، وليس هناك ارتفاع في الكلفة على منتجي ومستوردي السلع الأخرى كما حصل بسبب ارتفاعات اسعار النفط من قبل، وبالتالي يجب ألا يرتفع اي سعر عدا سعر المواد الغذائية فقط، وهي نقطة مهمة يجب على وزارات التجارة ومراقبي الاسواق عندنا أخذها في الاعتبار لمنع اي تلاعب بالزيادة في اسعار السلع الاخرى. النقطة الأخرى لمواجهة ارتفاع اسعار الغذاء تكمن في اعادة بناء مؤشر التضخم، وتقسيمه الى قسمين، الاول ما يسمى بمؤشر التضخم الاساسي Core Inflation، ويضم جميع السلع والخدمات غير الغذائية، بمعنى ان هذا المؤشر لا يضم اسعار الغذاء، وتتم مراقبة هذا المؤشر بدقة وصرامة، وعدم السماح بارتفاعه الا في حدود دنيا ضيقة، وهذا المؤشر يستخدم كثيراً في اميركا، إذ يتم استثناء الغذاء ومنتجات النفط التي تمتاز بتذبذبات حادة عادة، وتتغير كثيراً خلال العام. الثاني، مؤشر خاص بأسعار الاغذية، والتي يتوقع ان تزيد في حدود 25 الى 30 في المئة (بعض السلع زادت بأضعاف هذا الرقم ومنها السكرعلى سبيل المثال)، ولأن الغلاء عالمي ولا يمكن تجنبه، فيبقى الدعم والاعانة وزيادة الرواتب والاجور الحل الوحيد للمواجهة، بحيث تكون هذه الاعانات بنسبة مساوية لنسبة ارتفاع اسعار الغذاء. ان اتباع هذا التقسيم (من وجهة نظري) حيوي ومهم، لأننا بوجوده نستطيع الحد من تأثر المواطنين بارتفاع اسعار الغذاء عن طريق الدعم والزيادة، كما نتمكن من محاصرة تجار ومستوردي السلع الأخرى ومنعهم من رفع اسعارها من دون مبرر. والمتوقع في غياب هذا التقسيم ان يستمر رقم التضخم الشامل لكل السلع والخدمات، والذي نستخدمه حالياً في الارتفاع والقفز للأعلى، ونعود للشكوى والصراخ ومطالبة الحكومة بالتدخل من دون ان نعرف بالتفصيل ما هو مصدر التضخم؟ وما هي السياسة المثلى لعلاجه؟ اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com