يجري طلاب الهندسة النووية في الجامعة الأردنية تجارب عبر الانترنت على مفاعل نووي بحثي في جامعة أميركية، ضمن برنامج لتأهيل كوادر وطنية لرفد برنامج المملكة النووي للأغراض السلمية. هذا الربط الإلكتروني لطلاب قسم الهندسة النووية في «جامعة العلوم والتكنولوجيا» الأردنية بالقرب من مدينة أربد (88 كيلومتراً شمال عمان) يتيح لهم استخدام مفاعل «بولستار» النووي التعليمي في جامعة «نورث كارولينا» الأميركية. وتأتي التجربة في السياق الأكاديمي لمختبر المفاعل النووي، وتندرج في نسق علمي تنفرد الجامعة الأردنية عربياً بتدريسه منذ 2007. كأني أُحرّك المفاعل بيدي بعد التخرج نهاية الفصل المقبل، ينضم المهندسون الجدد إلى البرنامج النووي الأردني فيما يتابع بعضهم دراسات عليا في جامعات أوروبية وأميركية وآسيوية. ويركز المشروع النووي الأردني على استخراج الطاقة النووية سلمياً، بهدف توليد الكهرباء وتحلية المياه، ما يعزز التنمية في بلد محدود الموارد الطبيعية ولا يمتلك البترول. وبحسب أكاديميين، فإن جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن سجّلت سابقة أيضاً بالاتفاق على إجراء هذا النوع من التجارب، إذ يستخدم مفاعل نووي لأهداف التدريب النووي من بُعد، مع نورث كارولينا، التي لا تتيح هذه التجربة لأي مؤسسة تعليمية خارج حدود الولاياتالمتحدة، بل تقصرها على مؤسسات تعليمية داخل أميركا. ولم يتأثر هذا البرنامج الأكاديمي بتأخير إنجاز اتفاقية تعاون نووي مدني مشترك بين الأردن وأميركا، الذي نجم عن إصرار الأخيرة على حرمان الأردن من الحق في تخصيب اليورانيوم محلياً، وكذلك إعادة تشغيل العناصر النووية أو تبديلها وإنتاج وقود نووي، على رغم أن معاهدة منع الانتشار النووي تعطي الأردن هذه الامتيازات جميعها. وفي هذا الصدد، يتوقع مسؤولون أميركيون وأردنيون التوصّل إلى اتفاقية خلال شهور، مع توقيع رسالة على هامش الاتفاقية تُبقي على خيار تخصيب اليورانيوم محلياً بعد مرور 15 عاماً على الاتفاقية، مع ملاحظة أن الأردن لا يمتلك بعد القدرة على التخصيب، لكنه لا يريد التنازل عن حقه مستقبلاً. ولحدّ الآن، أجرى طلاب الهندسة النووية في الأردن ثلاث تجارب بالتواصل عبر الانترنت مباشرة مع مشغّلي مفاعل «بولستار» لمراقبة سلوكيات المفاعل تحت ظروف مختلفة، باستخدام لوحة تحكم افتراضية. وكل أسبوعين، يأتي 19 طالباً وطالبة، يشكلون الدفعة الأولى من خريجي الهندسة النووية، إلى مختبر مجهز بنظام ربط سمعي وبصري للتخاطب مع غرفة التحكّم في مفاعل «بولستار». وتُقدّر كلفة المختبر الأردني بقرابة 120 ألف دولار. على مقاعد زرق، يجلس الطلاب الأردنيون أمام شاشتين من الكريستال السائل، بإشراف رئيس قسم الهندسة النووية الدكتور صلاح الدين ملكاوي، بعد انتهائهم من محاضرة في الجانب النظري لتشغيل المفاعل. تعلو إحدى الشاشتين كاميرا تتيح للطرف الآخر مشاهدة الطلاب وبالعكس. وتمثّل الشاشة الأخرى لوحة التحكّم الافتراضي بالمفاعل المُجهّز لإجراء هذه التجارب العابرة للأطلسي. بعد جولة التشغيل الافتراضي، يتم تقويم النتائج بين الأطراف الثلاثة للتجربة: المفاعل وجامعة نورث كارولينا والجامعة الأردنية. وقال ملكاوي: «هذه التجربة تعطي الطالب شعوراً بأنها واقعية بنسبة 95 في المئة، مقارنة بالتجارب على مفاعل فعلياً». في مقابلة مع صحيفة «الحياة» في مكتبه، أوضح ملكاوي أن قسمه ينفرد بميزة التواصل عبر الإنترنت مع مفاعل نووي، لافتاً إلى أن جامعات عدة أدخلت تخصّص الهندسة النووية، لكنها تفتقر الى اللتجارب العملية على المفاعلات. وأضاف: «يوفر هذا المختبر فرصة عملية لطلابنا منذ بداية تأسيس البرنامج، وبذلك يكون خريجو الدفعة الأولى أنجزوا تجارب أثناء الدراسة». وملكاوي (46 سنة) أنجز بنفسه تجارب للأغراض التعليمية، لمدة خمسة أعوام، حين نال الماجستير والدكتوراه في جامعة «قائد أعظم» الباكستانية. ورأى أن الاختلاف الوحيد بين التجربتين هو أن الطالب «غير موجود فعلياً في غرفة التحكم». كذلك يوفر الربط الشبكي تجارب لدراسة فيزياء المفاعلات وتطبيقاتها العملية، ومن ضمنها معاينة قضبان التحكّم وأخرى لقياس تدفّق النيترونات للوصول إلى الدرجة الحرجة للمفاعل، حين تبدأ عملية الانشطار الذاتي للذرات. شاطرت الطالبة دعاء بطاينة، (22 سنة) أستاذها ملكاوي رأيه، قائلة: «يقدّم المختبر عبر الانترنت إمكان التفاعل بيننا وبينهم (نورث كارولينا) باستخدام اللغة الانكليزية لإجراء تجارب تطبيقية على الجانب النظري، حتى لو كانت تجارب رقمية». ووافقها زميلها محمد نجيب الرأي قائلاً: «نسألهم عن القراءات ونعطيهم أوامر لتغييرها عبر لوحة التحكم... أشعر أنني أعمل بيدي بنسبة كبيرة جداً». بانتظار العام 2015 جاء هذا المشروع المعتمد على الربط عبر الإنترنت، ثمرة تعاون بين هيئة الطاقة الذرية الأردنية، ووزارة الخارجية الأميركية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويؤمل أن يعمّم هذا المشروع كنموذج لقصة نجاح أكاديمي في الطاقة النووية. يسد هذا المختبر الفراغ في منهجية البحث التطبيقي لحين الانتهاء في عام 2015 من بناء مشروع مفاعل نووي يخصّص للبحوث والتجارب النووية، بهدف التدريب والدراسة الأكاديمية داخل حرم الجامعة. وتصل قدرة هذا المفاعل إلى 5 ميغاواط/ ساعة، ما يساوي أربع أضعاف قدرة «بولستار». وفي 2015، تكون الجامعة خرجت خمس دفعات من المهندسين النوويين ممن أجروا تجارب على «بولستار».ومن المتوقّع أن يشكّل مفاعل البحوث النووي الجامعي نقطة ارتكاز ل «المركز الوطني للبحوث النووية»، خصوصاً مع احتوائه 5 مرافق للتجارب النووية وتطبيقاتها المتعددة التي توفر قدرة بحثية عالية في الهندسة والعلوم النووية والصناعية والتعليمية. كما يعزز المركز موقع الأردن كمزوّد للخبرات الفنية والعلمية عربياً، إضافة إلى دوره إقليمياً في إنتاج النظائر المُشعّة المستخدمة في الطب، خصوصاً النظائر التي لا تمكث طويلاً في الجسم، لأنها لا تتوافر دوماً في الأسواق العالمية. في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، أزاح الملك عبدالله الثاني الستار عن نموذج لمفاعل البحوث والتدريب الذي يبنيه ائتلاف كوري جنوبي مكوّن من «معهد الطاقة الذريّة الكوري» («كيري») وشركة «دايو» للهندسة والإنشاءات، بكلفة 130 مليون دولار، منها 70 مليوناً قرض مُيسّر من كوريا الجنوبية. ويأمل الأردن، الذي يصنّف في المرتبة 11 عالمياً في احتياطات اليورانيوم (65 ألف طن)، في بناء أربع محطات للطاقة النووية بين عامي 2017 و 2018 وصولاً إلى تحوّل المملكة إلى مُصَدّر للطاقة بحلول 2030. وبحسب التقديرات العالمية، تحتاج محطة إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية بين 500 و 700 شخص لتشغيلها، 5 في المئة منهم مهندسون نوويون. ولتنمية القدرات البشرية، يركز الأردن على التعليم الأكاديمي والتدريب العملي. وفي 2008، أدخلت ثلاث جامعات حكومية (الأردنية، اليرموك والبلقاء للعلوم التطبيقية) تخصص درجة الماجستير في الفيزياء النووية. وفي هذا السياق، أُنشئ «مُعجّل إلكترونات»، يعرف تقنياً باسم «مُسارِع السنكروترون» Synchrotron Accelerator، في مدينة علاّن (محافظة البلقاء) بالتعاون بين 8 دول عربية وأجنبية وبدعم من منظمة اليونيسكو. يقدر هذا المركز أيضاً على إجراء بحوث في علوم الآثار، الفيزياء، البيولوجيا والنانوتكنولوجيا. في سياق متصل، تدعم فرنسا مشروعاً لإنشاء مركز تميّز للطاقة النووية والمشاريع الكبرى، للمساهمة في تنمية القدرات البشرية الأردنية في مجال الطاقة النووية. وتتمثّل غالبية الجامعات التي تدرس مناهج نووية، في لجنة توجيهية شُكّلت أخيراً للإشراف على هذا المشروع الطموح الذي يفتح المجال للتعاون مع جامعات فرنسية وجامعات عالمية أخرى، إضافة إلى تعزيز قسم الهندسة النووية عِبر منح للدراسات العليا في الهندسة النووية. وفي هذا السياق أيضاً، خلص مدير مشروع مفاعل البحوث والتجارب النووية الدكتور نضال الزعبي، إلى التأكيد أن «أهم تحدٍ يواجه جهود إدخال الطاقة النووية للأردن، يتمثل في وجود كادر قوي من المهندسين النوويين والخبراء. إذ لا يمكن إنجاز التخطيط والبناء والترخيص والتشغيل والتنظيم وغيرها من دون خبراء نوويين». ولفت أيضاً إلى أنه «لا توجد دولة طوّرت طاقة نووية قبل البدء ببناء مؤسسات تدريب وبحوث نووية، لتطوير القدرات البشرية ومأسسة بنية معرفة نووية». وأخيراً، نبّه الزعبي إلى أن «الطاقة النووية صناعة لا تحتمل نسبة خطأ صفر في المئة. لا وقت للتعلم من الأخطاء ولا مجال لعمل هواة». قصة قسم ومختبر استذكر الدكتور صلاح الدين ملكاوي قصة تأسيس قسم الهندسة النووية قبل ثلاثة أعوام، بالتزامن مع الإعلان عن إستراتيجية الأردن للتوجه صوب المفاعلات النووية للأغراض السلمية. ويسعى هذا القسم الذي يسير يداً بيد مع «هيئة الطاقة الذرية الأردنية»، لتنسيق جهود إعداد الكوادر الوطنية المتخصصة في مجال الهندسة النووية والبحوث. تمتد مدة الدراسة في القسم خمس سنوات، للحصول على شهادة بكالوريوس في العلوم، بعد انجاز 159 ساعة معتمدة. لغاية اليوم، التحق بهذا التخصّص 145 طالباً وطالبة. ويضم القسم خمسة أساتذة أردنيين وعرب من حملة الدكتوراه في الهندسة النووية. وجرى إيفاد سبعة من أوائل خريجي كلية الهندسة الى جامعات عالمية مرموقة، للتخصّص في الهندسة النووية، توجه إثنان منهم الى برنامج مشترك بين ألمانياوفرنسا يركز على الجانب التطبيقي للهندسة النووية. وذهب الباقون إلى جامعات أميركية ذات ترتيب عال في الهندسة النووية. الهدف من برنامج البكالوريوس تخريج مهندسين مؤهلين قادرين على «تقديم إسهامات هندسية متميزة ومعرفة حيال تصميم وبناء وإدارة أول محطة توليد طاقة نووية في الأردن»، وفق ملكاوي الذي يترأس هذا القسم. br / وإضافة إلى الربط مع مفاعل «بولستار»، يرتكز البرنامج الأكاديمي إلى مختبر حاسوب فائق الأداء يستخدم في أعمال المحاكاة الافتراضية Virtual Simulation، ومختبرين لكشف الإشعاعات وقياسها. وجرى التعاقد مع «المعهد الصيني لبحوث الطاقة والذرة» لبناء منظومة ذرية لغايات التدريس والبحث. ويتوقع الانتهاء من تجهيزها في الربع الأول من 2011. تحتوي هذه المنظومة (وكلفتها 3 ملايين دولار) على المكونات الأساسية للمفاعل النووي، لكنها لا تصل بالمواد المُشعّة الى درجة تجعلها قابلة للانفجار، ما يجعلها آمنة لغايات التدريس والبحث. وبعد خمس سنوات يجهز المفاعل البحثي الكبير. وأخيراً، رأى ملكاوي أن نجاح مشاريع الطاقة النووية، باعتبارها صناعة متخصصة للغاية، يعتمد في شكل أساس على توافر الكوادر البشرية المؤهلة أكاديمياً وتدريبياً لرفد المشروع، خصوصاً في دولة نامية، مُشدّداً على عدم الاكتفاء بشراء الآلات وحدها.