لم يمضِ على تخرج عبدالعزيز (27 عاماً) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سوى شهرين، متأبطاً شهادة البكالوريوس (تخصص لغة عربية)، حتى بدأ يسعى في آفاق الرياض بحثاً عن وظيفة تؤمن له «لقمة العيش الكريمة»، بعد أن غدت «صعبة جداً» كما يروي. وقبل أن يدب «اليأس الكامل» في قلبه من عدم الحصول على الوظيفة، «أي وظيفة كانت»، جاءت الفرصة من مدرسة أهلية شرق العاصمة قبلت توظيفه بشرط ألا يطلب أكثر من 3500 ريال، وهو الذي كان يمنّي النفس بوظيفة توفر له حياة سعيدة كشراء سيارة جديدة ويتزوج «فتاة الأحلام» ويفتح منزلاً، بعد أن خاض «معركة امتدت ل17 عاماً من أجل الحصول على الشهادة الجامعية». أول فكرة لمعت في رأس الشاب عبدالعزيز بعد أن تحققت له الوظيفة الجديدة هي «القرض المصرفي». تلك الكلمة السحرية التي ارتبطت ب«غالبية الناس» وربطتهم بحبائلها لاحقاً، كما يؤكد العديد من الشبان. ولن يكون آخرهم هذا الشاب الذي ذهب لأول بنك لكي يقترض منه، لكنه رفض إقراضه بحكم أن المدرسة التي يعمل فيها غير مسجلة ضمن الشركات التي يمنح موظفوها قروضاً. لم ييأس. ذهب إلى بنك آخر، وبدوره رفض البنك إعطاءه أي ريال، بحكم أن «راتبه ضعيف»، وهكذا بدأ يسأل كل من يصادفه عن البنك الذي يمكن أن «يتكرم عليه بقرض بفوائده الضخمة» من أجل شراء سيارة تساعده في التنقل في شوارع الرياض وزحمتها «الخانقة»، اذ ان سيارة «الهايلوكس» التي يقودها الآن أصبحت متهالكة، ولا تليق ب«معلم أجيال». ولا يدري ذلك الشاب الذي اقترب عمره من الثلاثين، كيف سيدبر أمور حياته بعد أن يتعاطف معه أحد البنوك، ويبتر جزءاً لا يقل عن 30 في المئة من راتبه «المتواضع» أصلاً. يقول عبدالعزيز: «من خلال تجربتي مع بعض البنوك، وجدت أنها لا تحترم الفرد السعودي ذا الدخل المحدود والمتوسط أيضاً، كما أنها تستغل الفرص لتمتص دمه، من خلال الفوائد العالية التي تطلبها من أجل القرض المصرفي». وأضاف: «كثير من أصدقائي وأقاربي تورطوا بقروض امتدت لسنوات طويلة وهي تنكد عليهم حياتهم، اذ باتوا يفكرون في كيفية توفير أموال أخرى كالسلف من الأقارب والأصدقاء لاستيفاء متطلبات الحياة التي أصبح كل شيء فيها مرتفعاً»، موضحاً أنه «لا يفكر مطلقاً في الزواج قبل سن 32 عاماً، حتى أجد مكان عمل آخر أستطيع من خلاله أخذ قرض أكبر، لكي استأجر الشقة المناسبة وأقدم على الزواج». يشير عدد من السعوديين التقتهم «الحياة» الى أنهم يقعون بين نارين، «نار الحاجة للمال، ونار اللجوء إلى القروض المصرفية، لتغطية عجز الموازنة الشهرية»، والخيار الأخير هو «الحل الوحيد» كما يؤكدون، خصوصاً في ظل المطالب الأساسية التي لا غنى عنها، إذ باتت كلمة «قرض» تشكّل كابوساً مزعجاً يزورهم حتى في أحلاهم، بسبب اقتطاعها جزءاً كبير من الدخل الشهري، «ما يجعل الراتب ينفد قبل نهاية الشهر، ويعقد الأمور أكثر من خلال البحث عن شخص يسلفهم 1000 أو 500 ريال، حتى نهاية الشهر» وهكذا يستمر طلب «السلف» حتى تتراكم الديون من جانب، والقروض من جانب آخر. وفي ما يبدو أنه حل وحيد ل«أبي محمد» ذي ال33 عاماً، حينما اختار اللجوء إلى قرض مصرفي، إلا أن الظاهر انكشف له لاحقاً، إذ أصبح القرض المصرفي الذي حصل عليه منذ 10 سنوات هماً يؤرق معيشته بشكل مستمر، بعد أن اقترض حينذاك قرضاً لا يزال يعاني من تبعاته إلى اليوم، الأمر الذي فاقم من مشكلات أسرته المادية، «في البداية تقدمت لطلب قرض حينما شعرت بأنه قرض ميسر كما في العرض الذي طرحه علي البنك، إلا أنه قادني إلى فخ يصعب الخروج منه». وحذر أبو محمد الشباب من الوقوع صيداً سهلاً لإغراءات المصارف الوهمية، التي ربما تقود عواقبها الوخيمة إلى السجن، مطالباً المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بتشديد الرقابة على الأسواق والتجار الذين «تمادوا في رفع الأسعار لمستويات مبالغ فيها، وتعريض المواطنين إلى مصاعب مادية لا تتوقف مع الحياة اليومية». «السعوديون يتعايشون مع الواقع المر، نتيجة للظروف المعيشية التي لا يكفي معها الدخل الشهري لتلبية الحاجات الأساسية في الحياة»، كما يذكر المواطن أبو أحمد (موظف في قطاع خاص براتب 7 آلاف)، مشيراً إلى أنه قبل زواجه لجأ إلى اقتراض 70 ألفاً من أحد المصارف لإتمام زواجه، وعلى رغم أنه كان ينتظر أن «ينتهي تسديد القرض على خير»، إلا أنه عاد بعد انتهاء القرض مرة أخرى للاقتراض، بعد أن عجز عن إتمام الصرف على إيجار منزله وتلبية حاجات أبنائه الثلاثة (أحدهم يحتاج إدخاله مدرسة خاصة بصعوبات التعليم 20 ألفاً سنوياً)، مبيناً أن القرض الأخير أثر بشكل جوهري في حياته، لأنه يحسم من راتبه أكثر من الربع، وبذلك ينتهي الراتب قبل أن يأتي راتب الشهر الجديد.