أقدم علي رضا بهلوي، الابن الأصغر لشاه إيران السابق وطالب الدكتوراه، على الانتحار، مطلقاً الرصاص على نفسه في بيته بالولايات المتحدة، يقول نيتشه: «من توافر لديه سبب لوجوده، يمكنه أن يتحمل أي شيء مهما كان»، فهل يمكن أن يصل الإنسان إلى نقطة لا يعود منها، نقطة ينتفي معها أي سبب ليكمل؟ ليُسأل في ذلك من يقدم على الانتحار، إلاّ أنه لا يعود إلى الحياة، ليشفي فضولنا المعرفي، ويحدّثنا عن اللحظات الأخيرة التي تجاوز فيها القوانين والشرائع، ولم يتذكر إلاّ رغبته الملحة في الخلاص، ويا ليته كان خلاصاً! ودائماً ما أقول إن كل منتحر لو قاوم في نفسه اللحظة التي أنهى فيها حياته، لو قاوم يأسه وشعوره المظلم، وأمهل نفسه بعض الوقت فقط، لاختلف الموقف، لا لأن ظروفه ستتغيّر، ولا لأن نفسيته سيشرق نهارها، ولكن لأن اللحظة التي انطفأ فيها النور في عقله تكون قد عدت ولحقتها أخرى أقل منها قتامة، فلا يمكن للحظتين أن تتساويا في الشعور، والقاع الذي يصل إليه كل منتحر ليس بعده قاع، الأزمة النفسية التي تتعقد فيها الأحاسيس نتيجة لتراكم الاحباطات (على اختلافها) والأسئلة العالقة، هذه الخنقة كل منّا تمر به، ولكن من مرت به وانتحر؟ فالأزمة حين تزورك، وحتماً ستفعل، يكون أمامك خياران: تتجاوزها فتعيش وتحكيها، أو تهزم وتسقط فلا تنجو ولا تحكي شيئاً. مقولة إن مرور الزمن يداوي كل الجراح، لا أعتبرها دقيقة، ففيها مبالغة في تبسيط الأمور، فالوقت بحد ذاته لا يداوي الجرح، ولكن ما يحدث خلال هذا الوقت هو بالضبط ما يداوي الجرح، وكما يرى الطبيب النفسي فيكتور فرانكل، أن على الفرد المجاهدة لخلق معنى لحياته ومن رحم معاناته، مجاهدة يصبح الألم معها مثمراً، فمن دون هذا المعنى تصبح الأوقات الصعبة مجرد «بروفة» لعقوبة قاسية، وقد لا يتحمل ثقلها الإنسان فينفجر، ولمزيد من الموضوعية نقول ليست هناك أخبار سارة وأخرى سيئة، ولا أحداث رائعة وأخرى مزعجة، فهي مجرد أخبار ومجرد أحداث، تفسيرك لها وحده يحدد لك ما تكون، وهو تحديد يؤلفه إيمانك ورؤيتك للكيفية التي تسمح لما يمر بك أن يؤثر فيك، وحتى هذه فيها نظر... كيف؟ أي منّا وله طريقته وفلسفته في التفاعل مع دنياه، أسلوب تشكّل غالباً وفق معلومات قديمة وخبرات متكدسة، ما يعني أنها معلومات محتاجة للمراجعة للتأكد من صلاحيتها ومن أنها لم تعد بالية، على الأقل في بعضها، أليس كذلك؟ ما الغاية من وجودي؟ ما الذي يدفعني لأقوم بما أقوم به؟ حين تفشل في تعريف نفسك وهدفك واتجاهك، وكنت ممن اشتغلوا على عقلهم فارتفعوا بوعيهم، فالاحتمال الأكبر أن تدخل في صراع من أجل إدراك معنى لحياتك، قد يعود عليك بالارتياب في كل شيء، فيهون عليك كل شيء وأولها نفسك، عندها سيتجاوز الأمر لعب دور الضحية، أو رثاء النفس، طلب تعاطف الآخرين أو البحث عن الطمأنينة، أو حتى إظهار الغضب، وهو قلق وجودي قد يصيب المرء في أي مرحلة عمرية، فيصل إلى حد لا يجدي معه شيء، فيكون ألماً متجذراً بعمق، في الحقيقة، اهتمام المأزوم بطرح أسئلة على هذه الشاكلة، يعني أنه لا يزال لديه ما يهتم به، وهذه ليست حال من يقدم على الانتحار، وأياً كان السبب والمسبِّب، فإنهاء حياتك ليس خياراً منطقياً قابلاً للتطبيق! بل هو كفر صريح بنعم الله، وأنانية قصوى في حق من يتعذب من بعدك، فسواء راق لك أمر وجودك أم لا، سواء عثرت على أجوبتك أم لا، فإنك لا تملك خياراً في وجودك ولا في إنهائه، ولكنك تملك ما بينهما، أو هكذا قيل! [email protected]