عزا خبراء ضعف ثقافة الادخار لدى السعوديين إلى عوامل عدة، من أهمها ظهور جيل الطفرة الذي لم يرث عن أسلافه هذه الثقافة التي كانت قوية قبل عقود، لكنهم لم يبرئوا ذمة ثقافة السوق السعودية من خلال قوة الدعاية والإعلان والتسويق للمنتجات التي روجت لثقافة استهلاكية متصاعدة. وأكد الأستاذ المشارك في قسم علم النفس بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالرحمن الطريري وجود ما سماه «اضطرابات نفسية» لدى أفراد في المجتمع السعودي بسبب الإسراف وضعف ثقافة الادخار. وربط حضور وغياب قيمة الادخار في المجتمع السعودي إلى «التنشئة داخل الأسرة، والمدرسة، ومن خلال مصادر الإعلام التي لها دور في ذلك من خلال البرامج والقصص والأفلام التي تشجع على ثقافة الادخار. وقال ل«الحياة»: «الحاضن الأساسي للفرد هو الأسرة، ومن خلالها يمكن أن يكتسب خاصية الادخار أو يفتقدها، من خلال سلوك أفراد أسرته وبالأخص الوالدين اللذين يمثلان القدوة في كثير من الأمور»، مشيراً إلى أن سلوك الأسرة في المحافظة على المصادر المالية والغذاء والكساء والماء والكهرباء يخلق إحساساً وشعوراً بضرورة المحافظة على هذه المصادر. وأشار الطريري إلى أسباب اجتماعية تتمثل في السلوك الاجتماعي العام في المحافظة على الثروات الطبيعية والموارد والإنفاق في المناسبات العامة، «كل هذه قد تشكل أمثلة حية يمكن أن يقتدى بها»، مشيراً إلى أن الفرد لا بد أن يرى حرصاً عاماً على الموارد والثروات، حتى يصبح بدوره حريصاً عليها، «ومن ثم سينعكس على موارده الخاصة». وافترض أن السبب التاريخي لا بد أن يكون معززاً لثقافة الادخار، «كانت بلادنا إلى وقت قريب بلاد فقيرة إلى أن تم اكتشاف النفط، الذي أحدث انقلاباً من حال الفقر إلى الثراء، لذا ما نسمعه من الآباء والأجداد يؤكد أن ثقافة الادخار كانت موجودة لديهم، نظراً لشح المصادر». وأوضح ان هذه الثقافة لم تنتقل من الأسلاف إلى الأحفاد «لأن الجيل الحاضر ظهر في وقت تتوافر فيه متطلبات الحياة بشكل ميسر»، لافتاً إلى أن الجيل الحالي يفتقد حس الادخار نظراً لسهولة الحياة الراهنة وعدم تعرضهم لظروف معيشية، كتلك التي مر بها الآباء والأجداد. وعما إذا كان هناك علاج، أكد الطريري أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر في طرقنا التربوية في المنزل والمدرسة من خلال وسائل الإعلام «حتى نجنب أبناء المجتمع ما يمكن أن يترتب على الإسراف من مشكلات نفسية تتمثل في الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي العنيف، وما يحدث لبعض الأفراد من اضطرابات نفسية بسبب الإسراف وافتقاد ثقافة الادخار». من جهة أخرى، وجهت الاختصاصية النفسية ومدربة تطوير الذات فوزية ملائكة اتهامها المباشر للتجار ورجال الأعمال في إفلاس السعوديين من خلال قوة الدعاية والإعلانات التسويقية للشركات والمنتجات التجارية التي يقودونها. ودعت هؤلاء إلى التخفيف من جرعة الإعلانات التجارية، مشيرة إلى أن التجار لديهم معرفة تامة بتفاصيل المجتمع السعودي، معتبرة هذا تحولاً في الظروف الاجتماعية للمجتمع السعودي ساهم في ضعف ثقافة الادخار. واعتبرت ملائكة ل«الحياة» ان الفئة العمرية من 20 إلى 40 من الشباب والبنات تعد الفئة الأكثر تضرراً من المجتمع السعودي في عملية الإفلاس الشهري على اعتبار أنها الفئة المستهدفة في الأسواق والمجمعات التجارية، بسبب ضعف ثقافة الادخار، مشيرة إلى أن كبار السن لديهم الوعي في معرفة ما يودون شراءه من حاجاتهم. وعزت أسباب ضعف ثقافة الادخار إلى التربية منذ بزوغ ونشأة الطفل، «الصغار بأشد الحاجة إلى تعريفهم بهذه الثقافة في المدارس والتي ستنعكس ايجابياتها على المجتمع عامة». وعن التغييرات في المجتمع السعودي التي أدت إلى ضعف ثقافة الادخار، قالت إن توافر المادة الاستهلاكية في كل مكان وسهولة الوصول إليها أيضاً سببا في عدم تنبه المجتمع بثقافة الادخار، مشيرة إلى أنه في خلال السنوات العشر الماضية كان يصعب علينا الذهاب للمجمعات التجارية والأسواق، أما الآن فأصبحت تلك المجمعات التجارية قريبة جداً من منازلنا. واستغربت ملائكة من قلة وعي اهتمام المجتمع السعودي بما يحدث في العالم الخارجي من أزمات ومشكلات اقتصادية، «نبهت حكومات بعض الدول مواطنيها بربط الأحزمة في عملية الشراء». وأضافت: «لا أعرف لماذا لا يتابع بعض الناس جيداً ما يدور في العالم من مؤثرات ومشكلات وأزمات اقتصادية، قد تؤثر أحياناً في اقتصاديات المواطنين ليس في دولة محددة فقط بل ربما دول العالم ككل». وعن تقويم جيل اليوم في المجتمع السعودي، قالت: «جيلنا اليوم للأسف جيل مستهلك، والمادة متوافرة في الأيادي، لذلك لا بد أن يكون هناك ترشيد في الاستهلاك للمواطنين مثل ما هو ترشيد استهلاك في الماء والكهرباء. وطالبت ببرامج أو مناهج توعية في المدارس للطلاب والطالبات الصغار والتخفيف من الدعاية والإعلانات التجارية كحلول لرفع وعي المواطن بثقافة الادخار، إضافة إلى فتح صناديق ادخار والتركيز عليها في البنوك. ثقافة الادخار» مفقودة... وحقيبة «المستقبل» خاوية من «قروش بيضاء» تبديد أموال وقروض... هرباً من «نظرة دونية» اختصاصية»: محبو المظهر الخارجي «قلقون نفسياً» «صك الإعسار»... مفتاح سحري للتحرر من «قيود» الديون المتراكمة