عالم افتراضي، هيّأته مخرجة الفيلم الروائي القصير «تل النسيان» هالة القوصي، لمعايشة جو الحكاية: شاشة عرض فوق خشبة مسرح وستارة وكراس متناثرة لجمهور يود أن يستمتع بالحكي، بالصورة، بالغناء. يدور الفيلم حول الحكايات والتفاصيل الصغيرة في حياة الناس العاديين، مع إسقاطات سياسية، بتواريخ لها دلالتها في تاريخ مصر المعاصر بطريقة غير مباشرة. عندما يرد على لسان أحد شخوص الحكاية الذين لا يحملون حتى أسماء عبارة مثل «جروبي انحرق»، سيكون هذا دلالة على حادثة حريق القاهرة في كانون الثاني (يناير) 1952، وتعلق القوصي قائلة: حتى الآن، لا يعرف أحد في مصر مَن المتسبب في تلك الحادثة المثيرة في تاريخنا، والسؤال الأهم الآن: من له مصلحة في ألاّ نعرف؟ تعمل القوصي في فيلمها على استعادة صور وطقوس من الموروث الشعبي، ولكن على طريقة الوقت الحالي. هناك راو لكنه يرتدي ملابس عصرية، وأحيانا فانتازية، مثل كرافات من دون قميص ولا جاكت. والممثل رمضان خاطر لا يملك إمكانات صوتية – كما يقول بنفسه – «للمرة الأولى أغني والتزم بقواعد الموسيقى بفضل الموسيقي محمد عنتر عازف الناي الذي قام بوضع موسيقى الفيلم». وتراه القوصي متفهماً لفلسفة العمل، وهناك تفاهم في ما بينهما بعد العمل في فيلمها السابق «يونس» الذي يتناول هجرة شباب احدى قرى محافظة الشرقية إلى إيطاليا. وهو فيلم أنجزته في العام 2005. الفيلم الجديد مدته 27 دقيقة ويتضمن نحو 24 مشهداً أقرب إلى تشكيل لوحات حيث استفادت المخرجة من عملها كمصورة فوتوغرافية. وتقول القوصي: «لا أسعى إلى خطف المتفرج. أريد أن أشعره بأن هناك طريقة مختلفة لرواية الأحداث ورؤيتها، أن أجعله ينفصل عن حياة المدينة المعاصرة التي لا نرى ولا نسمع فيها شيئاً من فرط ايقاعها وضجيجها، ولذلك فرضت طريقة أداء على كل الممثلين، بأن أجعلهم محايدين تماماً كأنهم يعيشون في عالم خيالي، خارج هذا العالم لقد سمعنا حكاية «حسن ونعيمة»، مثلاً، فماذا عن حكاياتنا الآن؟ هل تموت الحكايات؟ هل نحكي مثلاً عن السحابة السوداء؟ أم عن سر إطلاق أربعة أسماء على الميدان المسمى الآن طلعت حرب في نحو نصف قرن؟ الفيلم الذي يشارك في مهرجان نوتردام الدولي في دورته المقبلة، سرد لتاريخ أناس لا يبحثون عن بطولات كبيرة، سرد للتاريخ غير الرسمي، بطريقة شاعرية غنائية، مختلفة عن المألوف تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات التي يكتشف المتفرج المزيد منها مع كل مشاهدة جديدة للفيلم الذي عرض في قاعة مخصصة له في غاليري النتاون هاوس.