صوته ما زال يتردد صداه في مسامع الناس، وصورته لم تغب عن أذهانهم مع أنها غابت فترة غير قصيرة عن عيونهم. إنّه الممثل القدير عبد المجيد مجذوب، الذي بنى صورته المهنية بحذر واحتراف طيلة أربعين سنة في أعمال كبيرة مثل «عازف الليل» و «آلو حياتي» و «لا تقولي وداعاً» و «حول غرفتي» و «المتنبي»... فما عاد بإمكانه الظهور على الشاشة من دون دراسة دقيقة لأنّه «من غير الممكن أن يطل لمجرد أن يكون حاضراً أمام الجمهور». حالياً يعود عبد المجيد مجذوب بدور جديد إلى التلفزيون عبر شاشة «المنار» في مسلسل «الغالبون» من إخراج السوري باسل الخطيب وتمثيل نحو 200 ممثل لبناني. ومن مجرد معرفتنا هذا الأمر نستنتج أنّ مجذوب مقتنع تماماً بالدور. «لا يمكن أن أُقدِم على عملٍ لا أؤمّن من خلاله رضا هؤلاء الذين رضوا عن أدائي طوال الأعوام الماضية. فأنا لا أظهر في مسلسل لمجرّد عشق الإطلالة مع العلم أنّ أمتع لحظة عند الممثل هي عندما يكون واقفاً أمام عدسة الكاميرا» يقول مجذوب. في مسلسل «الغالبون» يلعب دور الحاج أمين، أحد القياديين في «حزب الله» الذين وضعوا حجر الأساس لقيام هذا الحزب. وهو يعلن مدى تهيّبه من هذا الدور بل من هذا العمل ككل «لأنّه يروي قصة أناس حقيقيين، أشخاص بعضهم ما زال على قيد الحياة، أشخاص طرحوا علامات استفهام وتعجّب حول نمط حياتهم وأسلوبهم في العيش والتصرف والتضحية والنضال...». الدور الأخير الذي أطل به عبد المجيد على المشاهدين كان في مسلسل «زمن الأوغاد» قبل سبعة أعوام، فهل يمكن الاستنتاج أنه طيلة هذه المدة لم يقع على عمل واحد يقبل المشاركة فيه؟ يجيب أنه لم يجد عملاً مناسباً يقنعه فنسأل: ألهذه الدرجة كانت الأعمال في الأعوام الماضية هابطة؟ فيوضح: «أنا لا أتهم الأعمال الدرامية بل أقول أنني لم أجد عملاً يلائمني أنا، لا أريد أن أظهر كذاك الذي يعتبر أن الأعمال التي لا يكون مشاركاً فيها لا قيمة لها وما يختاره بنفسه يكوّن فقط الأعمال الناجحة». ولكن على رغم هذا التوضيح نفاجأ أن الممثل اللبناني القدير لا يتابع الأعمال الدرامية اللبنانية بل يهتم أكثر بالبرامج الوثائقية عن الحيوانات أو البرامج الرياضية واللقاءات الفكرية. وحين نعبّر عن استغرابنا لغياب المسلسلات اللبنانية من لائحة مشاهداته يشرح: «أنا أتابع فقط ما يلفتني ويشدّني لأنني لا أجلس أمام شاشتي مثل المشاهد العادي الذي يتوخى التسلية فحسب. فأنا حين أشاهد الأعمال الدرامية أرى ما وراء المشهد، أرى الكواليس والمخرج والفريق التقني... ومن دون أن أشعر أجد نفسي أتحمس وأحزن وأنفعل عند رؤية الثغرات التي قد لا يراها المشاهد العادي». تنازلات نلاحظ أن عبد المجيد مجذوب يتفادى إعطاء رأي صريح وواضح في الدراما اللبنانية ويصوغ إجاباته في شكل ديبلوماسي كأنه يتفادى أن يدفع أحداً للعتب عليه، لكنه ينكر ذلك موضحاً: «لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال أن أعتبر أن الزمن الماضي هو زمن الأعمال الناجحة والزمن الحالي هو ملعب الأعمال الهابطة، ففي كل حقبة تجد أعمالاً ناجحة وأخرى غير ناجحة، وما دامت النساء تحمل وتلد فلا بد من ظهور أشخاص عظام وفنانين موهوبين لأن الإبداع ليس حكراً على زمان ومكان وأشخاص معينين». يعتبر عبد المجيد مجذوب أنّ الفنان الحقيقي الذي يعتمد لتأمين عيشه على الفن فحسب وضعُه غير مضمون مادياً، ويقول: «أشكر الله الذي حماني وأكرمني ولم يعرضني للحاجة لأنّ الحاجة تحكم الفنان أحياناً وتدفعه إلى تقديم تنازلات». ويعبّر عن حزنه وأسفه لمعرفته أن نجوماً كثيرين، كانوا لفترة طويلة من حياتهم يحققون النجاح والشهرة، غادروا إلى دنيا الحق بحالةٍ معنوية ومادية رديئة لم تحفظ، على الأقل، كرامتهم. يوافق مجذوب أن وضع الممثل في لبنان بعيد جداً عن وضع الممثل في العالم العربي إذ يستطيع هذا الأخير أن يضمن حياة كريمة وآمنة بفضل كثرة الإنتاج الدرامي في وطنه، في حين أن الممثل في لبنان قد يوفَّق في عملٍ ناجح ثم يضطر للانتظار شهوراً أو حتى سنوات قبل العمل التالي، «يمكنك أن تجد نجوماً كباراً تمر عليهم أيام لا يجدون خلالها ما يسد جوعهم، والناس تنظر إليهم بإعجاب لأنهم نجوم مشهورون فيتمنون أحياناً لو يكونون مثلهم!» هل يعتبر أن صوته الرخيم والمميز هو الذي حماه من التنازل لقبول أدوار تمثيلية غير مقتنع بها؟ «لا شك أن خامة صوتي ساعدتني ولكن حتى لو كنت أتمتع بالصوت الرخيم ولم أكن أملك الأداء المناسب لما كان صوتي نفعني» يؤكد، «ومن ناحية أخرى، ربما يكون ما حماني أيضاً من الحاجة هو أنني استطعت أن ألعب أدواراً مهمة في أعمال كبيرة فضاء نجمي بسرعة وصرت أنتقل من دور إلى آخر من دون توقّف، وفي هذه المرحلة الذهبية استعملت عقلي وأسست شركة خاصة بي هي «مؤسسة خلود للإنتاج» ساعدتني لأختار ما يناسبني فقط من أدوار تمثيلية». عبد المجيد مجذوب الذي قام ببطولة نحو خمسين مسلسلاً ما الدور الذي يحلم اليوم بأدائه؟ يجيب بسرعة وكأنّ الدور حاضر في ذهنه: «أتمنى أن أؤدي شخصية مطران أو بطريرك كانت له إنجازات كبيرة ومهمة في التاريخ».