تسلّم الجمهوريون رسمياً أمس، المطرقة التشريعية في مجلس النواب، مدشّنين مرحلة سياسية جديدة في واشنطن، تستند الى توازن أكبر أمام الحزب الديموقراطي الذي يسيطر على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. وكان لافتاً مع افتتاح الكونغرس الجديد، والذي وضع تقليص العجز والدور الحكومي في الاقتصاد في سلّم أولوياته، إرسال الرئيس باراك أوباما مؤشرات الى تغيير في فريقه في البيت الأبيض، بدأه أمس بإعلانه خروج الناطق روبرت غيبس من منصبه في شباط (فبراير) المقبل، والذي اعلن انه سيبقى في خدمة الرئيس والاعداد لمعركته الرئاسية في 2012. وإذ تسلّم النائب من ولاية أوهايو جون باينر رسمياً المطرقة التشريعية من الزعيمة السابقة للمجلس نانسي بيلوسي، وضع الجمهوريون «خريطة طريق» مختلفة للكونغرس ال112 عن تلك التي طبعت السنوات الأربع الأخيرة للمشرّعين الديموقراطيين، والذين خسروا في الانتخابات الأخيرة بفارق 61 مقعداً، ليصبح التوزيع الجديد للمقاعد 242 للجمهوريين و193 للديموقراطيين. وأكد باينر في احتفال التسليم، أن أولويات الكونغرس الجديد ستستند الى تقليص موازنة الكونغرس بنسبة 5 في المئة، أي 25 بليون دولار، والسير بتشريعات لتحفيز الاقتصاد الذي يبقى الهمّ الأساس للناخب الأميركي. وقال باينر لدى تسلّمه منصبه، ان هدف الجمهوريين يتمثّل في استعادة الشعب الحكومة، والعمل بنزاهة وفي شكل يمكّن من المحاسبة، مشدداً على ان الكونغرس «لا يمكن ان يقصّر بعد الآن»، ومقراً بتباين وجهات نظر الجمهوريين والديموقراطيين، لكنه اعتبر ان الحزبين يؤمنان بأنهما يعملان من أجل المصلحة العامة. وقابل صعود الزعيم الجديد للكونغرس، تنحي الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس في شباط، وذلك في إطار تغييرات يجريها أوباما على فريقه، ولتحسين صورته قبل الانتخابات المقبلة. كما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» ان ثمة اتجاهاً في البيت الأبيض لتعيين مدير جديد للموظفين، خلفاً لرام ايمانويل الذي أُبدل ببيت راوس موقتاً. ومن الأسماء المطروحة لإدارة الفريق الرئاسي، وليام دايلي رجل الأعمال ووزير التجارة السابق خلال عهد بيل كلينتون، والذي يحظى بثقة كبيرة في دوائر الأعمال وينتهج سياسة وسطية ستساعد أوباما مع الجمهوريين. والى جانب دايلي، برز اسم السيناتور السابق توم داشل في هذا المنصب، لخبرته التفاوضية في الكونغرس، كما سرّبت الصحيفة أسماء بيل بيرتون وهو نائب غيبس الآن، بصفته خلفاً محتملاً له، أو جيمس كارني من مكتب جوزيف بايدن نائب الرئيس. وسيحاول أوباما العمل مع التركيبة الجديدة للكونغرس، لتمرير تشريعات تحفّز الاقتصاد، وتضعه في موقع أكثر استقلالية تمهيداً لمعركة الرئاسة عام 2012. ويطبع استيلاء الجمهوريين على مجلس النواب، مرحلة جديدة في رئاسة أوباما، خصوصاً أن مشاريع القوانين الأولى التي ستطرحها الأكثرية الجديدة، «انقلابية» على أجندة البيت الأبيض. وسيكون أولها مشروع قانون لإلغاء خطة الضمان الصحي التي أنجزها أوباما الربيع الماضي. وفيما تبقى الخطوة رمزية، لافتقاد الجمهوريين أكثرية في مجلس الشيوخ لتمرير تشريع مشابه، إلا انها تفتح أفق المعركة بين طرفي جادة بنسلفانيا. ومن المتوقع أن يباشر مجلس النواب بإلغاء الخطة غداً، على أن تنتهي المداولات وتُطرح للتصويت قبل خطاب حال الاتحاد في 21 الشهر الجاري. كما تعهد الجمهوريون في مجلس النواب، العودة الى زمن التحقيقات والرقابة على عمل البيت الأبيض، وهذا ما استخدموه ضد كلينتون في تسعينات القرن العشرين، وسيعيدون توظيفه في مواجهة تشريعات أوباما. ويقود لجنة الرقابة والإصلاح النائب الجمهوري اللبناني الأصل داريل عيسى. وأمام هذا الواقع، يتجه أوباما الى السير في نهج براغماتي وواقعي يفرض عليه تعاوناً وإبرام صفقات مع الأكثرية الجديدة. وكان الرئيس الأميركي باشر هذا النهج في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، مُبرماً قوانين في شأن السياسة الضريبية وحول معاهدة «ستارت - 2» وحقوق المثليين في الجيش، والتي نالت تأييد بعض الجمهوريين. لكن المعادلة تبدو أكثر صعوبة الآن أمام البيت الأبيض، بسبب حجم الأكثرية الجديدة، والتي دعاها أوباما أمس الى التركيز على الاقتصاد حتى عام 2012 موعد الانتخابات الرئاسية.