جزم وزير الداخلية المصري حبيب العادلي بأن الهجوم على كنيسة القديسين في الإسكندرية الذي أوقع 23 قتيلاً وعشرات الجرحى في أول ساعات العام 2011، تم باستخدام «عبوة بدائية» داخل حقيبة أو حزام ناسف وليس من خلال سيارة مفخخة. وتترقب الساحة المصرية إقامة الكنائس الأرثوذكسية قداس عيد الميلاد اليوم وسط إجراءات أمنية مشددة تحسباً لتنفيذ أي عمليات إرهابية جديدة تستهدف الكنائس. واتهمت السلطات أعضاء في حركة 6 أبريل المعارضة بإثارة الفتنة على خلفية التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في منطقة شبرا في القاهرة ورافقتها أعمال شغب أصيب فيها عدد من رجال الأمن. وزار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود وفريق من المحققين مدينة الإسكندرية أمس لمتابعة سير التحقيقات في ضوء عمليات البحث الجنائي التي تمت في الأيام الماضية. واستعرض مجلس الوزراء تقارير حول الحادث. ووقف أعضاء المجلس دقيقة حداداً على أرواح قتلى الهجوم. وقال العادلي خلال الاجتماع إن التفجير تم باستخدام «عبوة ناسفة محمولة وليس سيارة مفخخة»، مشيراً إلى أن الحادث المؤلم «نتج عن عبوة بدائية الصنع ولكن كانت بها إمكانيات تفجير كان يمكن أن تسبب ضرراً كبيراً نتيجة التزاحم». ونقل الناطق باسم الحكومة عن العادلي قوله إن هناك عملاً دؤوباً تقوم به أجهزة الوزارة مع المعمل الجنائي لكشف ملابسات الحادث، ولديهم كل الإمكانات التكنولوجية المطلوبة. وذكر العادلي، كما نُقل عنه، أن الحادث على رغم أنه أليم «إلا أنه كان يمكن أن يكون أقوى، بالنظر إلى توقيته الذي تزامن مع بداية خروج الإخوة المسيحيين من الكنيسة»، ولفت إلى أنه «تلا الحادث مباشرة بعض المناوشات يبن المسيحيين والمسلمين، نتيجة الغضب وعدم الوضوح، إلا أن التعامل الأمنى الذي تم بسرعة وهدوء وحكمة مع الموقف أدى إلى تفادى أي مشاكل واحتواء الموقف». وأهاب وزير الداخلية بوسائل الإعلام عدم استباق التحقيقات، مؤكداً أن كل ما لدى وزارة الداخلية من معلومات مؤكدة ستعلن عنه. ودحض العادلي الاتهامات الموجهة لأجهزته بالتقصير، في ضوء تحذير تنظيم «القاعدة» مسبقاً باستهداف الكنائس، وقال إن الحادث لم يكن بسبب قصور أمني، بدليل وجود ثلاثة من قوات الأمن ضمن المصابين، مشيراً إلى أن المعمل الجنائي يجرى عمليات بحث وفحص مكثفة لما خلفته العبوة الناسفة. من جانبه، جدد رئيس الوزراء أحمد نظيف إدانة الحكومة الشديدة لهذا الحادث «الذي استهدف وحدة المجتمع المصري، والذي تعمد استغلال التوقيت والمكان لبثّ الفرقة بين أطياف المجتمع»، داعياً طوائف المجتمع كافة إلى استمرار اليقظة والتكاتف وعدم إعطاء الفرصة للإرهاب، وطالب بعدم الانصياع إلى التدخلات التي تحاول إصابة مصر في قلبها. وانهالت برقيات التهاني بعيد الميلاد على بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية البابا شنودة الثالث، إذ هنأه بهذه المناسبة رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف ووزير الداخلية حبيب العادلي ورئيس مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) أحمد فتحي سرور. ونفت الكنيسة المصرية ما تردد عن رفضها استقبال المسلمين في قداس عيد الميلاد. وقال سكرتير البابا الأنبا ارميا: «لا يمكن أن نرفض الأيدي الممدودة من إخواننا المسلمين الذين عبروا عن مشاركتنا آلامنا وأوجاعنا خلال الأيام الماضية، فالحادث أصاب كل المصريين»، مشيراً إلى أن ما أظهره المصريون جميعاً خلال هذا الموقف الصعب يؤكد أن مصر بخير. وعن اعتزام بعض الشباب المسلمين إقامة دروع بشرية تحيط الكنائس أثناء القداس، قال مصدر كنسي ل «الحياة» إن البتّ في هذا الأمر متروك لسلطات الأمن في وزارة الداخلية، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية هي المخوَّلة الإجراءات الأمنية حول الكنائس، وبالتالي البتّ في هذا الأمر في ضوء تأمينه، مرحِّباً بهذه المبادرة. وشددت السلطات الأمنية من إجراءاتها حول الكنائس وأجرت مسحاً في غالبيتها للتأكد من خلوها من أي عبوات مشبوهة قد تحمل متفجرات. ومنعت السيارات من الوقوف أمام الكنائس ودققت في هويات مرتاديها. وسيرأس البابا شنودة قداس اليوم في حضور مسؤولين رسميين وشخصيات عامة من مختلف الاتجاهات تعبيراً عن التضامن مع الكنيسة في الهجوم الذي استهدفها. تظاهرات الغضب وأحالت النيابة العامة 8 نشطاء من حركة 6 أبريل على محاكمة عاجلة بتهم الاندساس بين جموع المتظاهرين الأقباط الغاضبين في منطقة شبرا يوم الإثنين الماضي، واستغلال تلك التظاهرات في الاعتداء على رجال الشرطة وتدمير الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة وتكدير السلم والأمن العام، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية. ونسبت إلى المتهمين (وجميعهم مسلمون) تهم التجمهر، والاعتداء على موظفين عموميين أثناء تأديتهم واجباتهم الوظيفية، وإتلاف سيارات خاصة وحافلات عامة وسيارات تابعة للشرطة. وذكرت وكالة «رويترز» أن الشرطة ألقت القبض على المتهمين مساء الإثنين في القاهرة. وتصل العقوبة على التهم الموجّهة إليهم مجتمعة إلى السجن لمدة ست سنوات. وذكرت «رويترز» أن لقطات فيديو أظهرت متظاهرين يرشقون سيارات شرطة بالحجارة خلال التظاهرة في حي شبرا، حيث قُبض على النشطاء الثمانية. ونقلت الوكالة عن الناشطة البارزة في حركة شباب 6 ابريل أسماء محفوظ، نفيَها انتماء الموقوفين إلى الحركة، قائلة إنهم ينتمون إلى «حركة العدل والمساواة» التي تتبنى مطالب مماثلة. وقالت ل «رويترز»: «كانوا يهتفون فقط. أنا كنت هناك... نحن لا نضرب بالطوب (بالحجارة). المحاكمة رسالة واضحة لنا. هم يريدون أن يقولوا لنا ابعدوا (عن احتجاجات المسيحيين)». وتابعت: «ضباط شرطة حذّرونا من الاشتراك في التظاهرة. قالوا لنا احتجاجات المسيحيين قضية دينية ابعدوا السياسة عنها». ونسبت «رويترز» إلى مصدر أمني أن المتهمين «اندسوا وسط الاقباط بهدف تهييج المتظاهرين». وأضاف: «المحاكمة رسالة وانذار». بابا الفاتيكان في غضون ذلك، جدد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب انتقاداته لبابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر، كما هاجمته لجنة برلمانية على خلفية دعوته إلى حماية الأقباط في مصر. وقاد الطيب وقفة احتجاجية نظمها طلبة جامعة الأزهر للتنديد بحادث الإسكندرية، وأكد رفض مصر بمسلميها ومسيحيها كل أشكال الارهاب ودعمها لروح التسامح والأخوة بين المسلمين والمسيحيين لمواجهة أي محاولات لإثارة الفتنة الطائفية. وجدد انتقاده لبابا الفاتيكان على خلفية دعوته إلى حماية الأقباط في مصر. وقال: «تعودنا من قداسة بابا الفاتيكان أن يقول إن المسلمين لم يفهموا خطابه، لكن ما حدث الآن لا يمكن تجاهله، وهو أن بابا الفاتيكان لا ينشط ولا ينزعج أمام الأنهار التي تسيل من دماء المسلمين، لكنه ينزعج عندما تتصل من قريب أو من بعيد بالمسيحيين، وهو بدوره كرجل دين عالمي، عليه أن يخاطب بالسلام للجميع»، مضيفاً: «نحن كأزهر نرفض كلام بابا الفاتيكان تماماً، ونريد للمسلمين والمسيحيين في العالم كله، وأيضاً اليهود غير الصهاينة، نريد لكل هؤلاء السلام (...) كنا نتوقع ونتمنى أن يكون صوت قداسة بابا روما صوت سلام للجميع وليس تصوير الأمر على أنه حماية المسيحيين من المسلمين، وهو كلام غير صحيح ولا ينم عن واقع الأمر ولا عن علاقة الأقباط والمسلمين في مصر». ووجّه أعضاء لجنة الشباب في مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) انتقادات لاذعة لتصريحات بابا الفاتيكان ووصفوها بأنها «غير مسؤولة وتخرج عن الشرعية الدينية، لتعمّد بابا الفاتيكان الإساءة إلى المسلمين رغم العمليات الإرهابية التى يتعرضون لها في الخارج». ووصفت اللجنة تصريحات عدد من السياسيين الإيطاليين ب «العار» بعدما طالبت بعض القوى بقطع المعونات عن مصر. من جانبها، أعربت الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي عن عظيم استنكارها وإدانتها لتفجيرات حادث كنيسة القديسين. وأكدت فى بيان أن العالم بمختلف أجناسه ودياناته وعقائده يقف على حقيقة مسلَّمة مقرَّرة فى شريعة الإسلام، وهي أن جميع مواطني المجتمعات الإسلامية من أهل الكتاب هم مواطنون أصلاء وشركاء للمسلمين فيها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. من جانبه، دعا الأمين العام للحزب الوطني رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف شباب مصر إلى الانتباه لما يحاك ضد البلاد من مؤامرات ومخططات تستهدف عرقلة تقدمها في مختلف المجالات. وطالب الشريف، في كلمة ألقاها في بداية جلسة المجلس أمس، الشبابَ بألا يجعلوا الإرهاب يجني ثمار فعلته الأخيرة. وقال: إن «مصر مستهدَفة، خصوصاً كلما رأى العالم أنها تتقدم في كل المجالات».