أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي السيناتور جون كيري أمس، أن اجراء استفتاء حر لتقرير مصير الجنوب المقرر الأحد المقبل سيمهد لعلاقات قوية بين السودان والولاياتالمتحدة، ولم يستبعد شطب اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية الإرهاب، مع ابقاء العقوبات المفروضة على البلاد بسبب أزمة دارفور. وأجرى كيري محادثات في الخرطوم مع مستشار الرئيس السوداني غازي صلاح الدين ومفوضية الاستفتاء، ركزت على ترتيبات الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. ووصف كيرى خلال مؤتمر صحافي تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير حول الاستفتاء خلال زيارته جوبا الثلثاء، بأنها «مشجعة للغاية» وقال إن كلمة الرئيس السوداني «كانت إيجابية وبناءة للغاية، وأعتقد أنها خطوة جيّدة تمهد للاستفتاء المقرر بعد أيام». وأشار إلى أن واشنطن قد ترفع اسم السودان من لائحتها للدول الراعية للإرهاب في حال تم الاستفتاء كما هو مقرر له. وأضاف: «ولكن هذه الخطوة لن تؤثر على العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بسبب الوضع في دارفور». وحذّر كيري من أن السودان يواجه لحظة حاسمة. وقال في بيان، إن «الولاياتالمتحدة لعبت دوراً مهماً في إنهاء الحرب الأهلية في السودان، ما جعل استفتاء هذا الأحد ممكناً». وأضاف: «التزامنا للشعب السوداني سيتجاوز ما بعد الاستفتاء، أياً كانت نتائجه، ونعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في المنطقة». في غضون ذلك، أعلن الأمين العام لمفوضية الاستفتاء، محمد عثمان النجومي، انتظام كل موظفي الاقتراع بمراكزهم تمهيداً لبدء العملية الأحد المقبل. وقال النجومي في تصريحات صحافية إنه لا توجد ضمانات حول إقبال الناخبين نحو مراكز الاقتراع، مضيفاً أنها عملية طوعية تتوقف على رغبة الشخص المعني. وأشار إلى احتمال وجود صعوبات طبيعية مثل الأمطار وغيرها، متمنياً أن يحرص الكل على ممارسة حقهم في الاستفتاء، وأن تُكلل العملية بالنجاح. كما أصدرت مفوضية استفتاء جنوب السودان لائحة تنظيم عملية عد الأصوات وفرزها وإعلان نتيجة الاستفتاء، وذلك قبل أربعة أيام من بدئه. ووفقاً للائحة، فإن عدّ أصوات الناخبين في أي من مراكز الاقتراع سيتم فور إغلاق باب التصويت، بواسطة موظفي المفوضية القائمين على العملية وفي المركز نفسه الذي أُجري فيه الاقتراع. ومن المقرر أن يُعلن رئيس كل مركز نتيجة مركزه ويعلّق نسخة منها في المركز بمجرد الانتهاء من عملية العد، ثم يرفع تقريراً إلى اللجنة الفرعية المحددة بالمقاطعة، وينطبق هذا الإجراء على كل المراكز. وتقوم اللجان الفرعية بدمج تقارير مراكزها وإخراج نتيجة موحدة تمثل المقاطعة، ومن ثم تقوم برفعها إلى اللجنة العليا المحددة بالولاية، وعلى الأخيرة تجميع تقارير المقاطعات ودمجها في نتيجة واحدة تمثل الولاية. وتُنقل هذه التقارير إلى مكتب استفتاء جنوب السودان، الذي يقوم بجمع النتائج من كل الولايات في الجنوب وينقل النتيجة المجمعة إلى رئاسة المفوضية في الخرطوم والتي تقوم بتجميع النتائج من مكتب الاستفتاء في جوبا والمراكز في شمال السودان، وأيضاً المراكز في دول المهجر، توطئة لإعلان النتيجة النهائية في 22 الجاري. ويجوز الطعن في النتائج الأولية أمام المحكمة المختصة خلال ثلاثة أيام، وتفصل المحكمة في الطعون خلال أسبوع، بحسب قانون الاستفتاء. وفي نهاية هذه العملية تعلن مفوضية استفتاء جنوب السودان النتيجة النهائية والرسمية للاستفتاء في الخرطوم، علماً بأنه يجب إعلان النتيجة النهائية في فترة أقصاها 30 يوماً من تاريخ انتهاء الاقتراع. وقبل أيام من الاستفتاء، أكد شريكا الحكم في البلاد، «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وحزب «المؤتمر الوطني»، أهمية وجود كل منهما في الشمال والجنوب إذا أدى الاستفتاء إلى انفصال الجنوب، وذلك للتغلب على التحديات التي سيفرزها الانفصال الوشيك على الأحزاب بسبب التداخل الحزبي بين شطري البلاد. وقالت «الحركة الشعبية» إنها ستظل باقية في الشمال بمبادئها مناضلة من أجل فكرة السودان الجديد الذي قامت على أساسه مع أبناء الشمال. وقال نائب رئيس البرلمان أتيم قرنق إن «أعضاء الحركة الشعبية في الشمال إذا أرادوا الاحتفاظ بالاسم أو تغييره فهذا شأنهم، ولكن الشيء الذي لا أعتقد أنه سيتغيّر هي المفاهيم، مفاهيم أن الحركة الشعبية تنادي بالانتماء للسودان، سواء شمالاً أو جنوباً». وفي المقابل، فإن حزب «المؤتمر الوطني» يبدو كذلك أن وجوده سيكون أكثر قوة في الجنوب بعد الانفصال، إذ قال الحزب إنه «سيعتمد في نشاطه حينها (إذا انفصل الجنوب) على تنفيذ برنامج سياسي وفق مبادئ راسخة تخاطب صميم المشكلات الأساسية للجنوبيين». وقال القيادي في الحزب الحاكم قطبي المهدي، إن حزبه سيستمر في العمل بالجنوب، مستنداً إلى «سجل ناصع جداً ومشرق وإلى برامج تخاطب المشاكل الحقيقية للإقليم الجنوبي وللمواطنين في جنوب السودان». وفي جانب المعارضة أيضاً، أقام حزب «المؤتمر الشعبي» المعارض حفلة وداع لأعضائه من الجنوب على هامش اجتماع مكتبه القيادي، في ما يشبه تسليمه بالانفصال باكراً، وقد ترك لأعضائه الجنوبيين الباب موارباً في ما يتصل بنشاطهم في الجنوب، بحسب ما تقتضيه القواعد القانونية والسياسية في دولتهم المرتقبة. وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب بشير آدم رحمة، إن حزبه سيظل محتفظاً بعضويته وباسمه وبعلاقاته مع الجزء الشمالي من السودان، ولكن «عند تأسيس دولة الجنوب بدستورها وبقوانينها وحكومتها، فإن إخواننا وأخواتنا في الجنوب لهم الخيار في أن يؤسسوا تنظيماً، وبالاسم الذي يرونه، بحسب القوانين السائدة في تلك الدولة». إلى ذلك، رحّب نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه بقرار حكومة جنوب السودان طرد فصائل دارفور المسلحة، في ختام الزيارة التي قام بها الرئيس عمر البشير للجنوب قبل أيام من الاستفتاء على تقرير مصير الإقليم. وقال طه في أثناء مخاطبته مؤتمر اتحاد المرأة السودانية بمناسبة ذكرى الاستقلال، إن «لا مجال لاستضافة أي معارضة شمالية في الجنوب أو أي معارضة جنوبية في الشمال». وكان رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت أعلن في ختام زيارة البشير إلى جوبا أول من أمس، أن حكومته اتخذت إجراءات طردت بموجبها حركات دارفور المسلحة من جوبا عاصمة الجنوب، وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس البشير: «لا توجد معارضة من الشمال تتخذ من جوبا قاعدة لها». واتهمت «حركة العدل والمساواة»، أكبر حركات التمرد في دارفور، في بيانٍ الخرطومَ باستغلال استفتاء جنوب السودان لتصفية قضية دارفور عسكرياً، وهددت بتوجيه «ضربات» عسكرية بالاشتراك مع حلفائها ضد الحكومة السودانية. وقال البيان الذي أصدره الناطق باسمها أحمد حسين آدم «إن موقف النظام استغلال تركيز المجتمع الدولي في ترتيبات الاستفتاء وتقرير المصير لجنوب السودان، لتصفية القضية أمنياً وعسكرياً تحت غطاء ما يسمى بالاستراتيجية الجديدة في دارفور». وهددت الحركة «بالحسم العسكري مع الحكومة السودانية»، وقالت «إنه ليس أمام النظام وقت طويل، فإما أن يصل إلى سلام شامل وعادل وإما أنه سينهار تحت وقع ضربات الحركة وحلفائها». ودانت الحركة مغادرة الوفد المفاوض للحكومة السودانية الدوحة، وقالت إنها «تدين في شدة انسحاب وفد النظام من العملية السلمية، وتعتبره إعلاناً لحرب جديدة». وكانت الحكومة السودانية سحبت الجمعة وفدها إلى مفاوضات السلام في الدوحة مع متمردي دارفور، إلا أنها أكدت رغبتها في متابعة الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في الإقليم. وفي الدوحة، شكّلت «فتوى»، لعلماء أعلنوا «رفضهم تقسيم جنوب السودان وتحريم التصويت لمصلحة الانفصال»، تطوّراً لافتاً عشية الاستفتاء المقرر في جنوب السودان يوم الأحد. وضمت قائمة الموقّعين شخصيات معروفة في مقدمها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والمراقب العام للإخوان المسلمين في السودان الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، ومفتي الديار المصرية السابق الدكتور فريد نصر واصل، والأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ فيصل مولوي، ورئيس جامعة النجاح في اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني. وضمت القائمة أيضاً الدكتور ياسين مخدوم من السعودية ورئيس جمعية علماء فلسطين الشيخ حامد البيتاوي وعضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين في مصر الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور عبدالرحمن البر وعدداً من القيادات والشخصيات من قطر والسعودية والسودان ومصر وليبيا واليمن ولبنان وموريتانيا وتركيا ونيجيريا والأردن وفلسطين وطاجيكستان وماليزيا وأفغانستان وباكستان والمغرب. ورأى الموقعون على البيان الذي صدر مساء أول من أمس أن قضية جنوب السودان ليست مسألة حرب أهلية ولكنها «مؤامرة عالمية» تغذّيها جهات كثيرة إقليمية ودولية وفي مقدمها «الصهيونية والصليبية العالمية» ولا تستهدف السودان وحده باعتبار جنوب السودان «بوابة الإسلام والعروبة إلى أفريقيا». - انفصال الجنوب ستكون له تداعيات بعيدة المدى على الشمال