استفتاء جنوب السودان، الأحد 9 الجاري، محطة زمنية للانفصال ونشوء دولة أفريقية جديدة. وذكرت دراسة للباحث السوداني عمر البشري الترابي، أن هذا الانفصال سيجعل من جنوب السودان أندلسَ جديدةً، تُشحن لأجلها المشاعر والأشواق الإسلامية ويُجعل منها بؤرة جذب للجماعات الإسلامية المسلحة. وتناولت الدراسة في عنوان «الانفصال الخشن هل يكون بوابة القاعدة الجديدة إلى السودان؟» (نشرها مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي) احتمال ولادة تنظيمات مسلحة متطرفة على الأراضي السودانية ومدى قدرتها على النمو بعد الانفصال. وذكر الباحث في دراسته التي نشرت في كتاب المسبار الشهري «الإسلاميون في السودان من التأسيس إلى الانفصال»، أن ارتباط القاعدة بالسودان يُمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل، أولاها في بداية التسعينيات، وتزامنت مع بدايات عهد عمر البشير، ولجوء أسامة بن لادن إلى السودان، وشملت السنوات من 1991 الى 1996، أعقبتها مرحلة ثانية صاحبها خمول إعلامي، انتهت ببداية النصف الثاني من العقد الأول في الألفية الجديدة، لتدخل مرحلة ثالثة تضمنت الدعوة الى الجهاد في دارفور ضد «القوات الصليبية» في رسائل بن لادن وأيمن الظواهري. وعن وجود تنظيم للقاعدة في بلاد النيلين، رأى عمر الترابي أن الحديث حول هذه المسألة ظهر في 2008، إلا أن افتراض وجود القاعدة قوبل على الدوام بنفي رسمي وشعبي، موضحاً أن الأوساط الإعلامية الرسمية وغيرها التزمت نفي أي وجود للتنظيم على الأراضي السودانية. وذكرت الدراسة أن دعوة أسامة بن لادن في 23 نيسان (ابريل) 2006 ل»المجاهدين وأنصارهم عموماً وفي السودان وما حولها، بما في ذلك جزيرة العرب خصوصاً، أن يعدوا كل ما يلزم لإدارة حرب طويلة المدى ضد اللصوص الصليبيين في غرب السودان»، مرشحة لأن تجد آذانا صاغية. وأنه «على الرغم من أن البعض هوّن من أمر تصريحات زعيم القاعدة، إلا أنها تحمل وزنًا اعتباريًا، إذ فهم البعض من خطاب بن لادن أنه إشارة بالتهيؤ». وذكر الباحث أن أنظار القاعدة لم تتحول عن السودان منذ أن ارتحل زعيمها إلى أفغانستان منتصف تسعينات القرن الماضي، وذلك للموقع الجغرافي الذي يتمتع به السودان كرابط بين القاعدة في القرن الإفريقي والقاعدة في الساحل والمغرب، مؤكداً ان خيرات السودان الأخرى، من رجال ومياه وأراضٍ شاسعة هي عوامل مثالية في جعل البلد محضناً وأرضاً خصبة للتنمية العسكرية لميليشيا القاعدة وغيرها. وقال الباحث إن الانفصال (الخشن) هو أحد أوجه انهيار اتفاقية السلام، مشيراً إلى أن الاستفتاء يُجرى بينما لم تُحسم المسائل الخلافية التي كانت كفيلة بإشعال حروب في إطار الدولة الواحدة، مما يجعل الأمر مرشحاً للأسوأ في إطار دولتين. وتوقعت الدراسة أن الجنوب السوداني، بفعل هذه المؤثرات، سيبرز كضياع لأندلس جديدة، تشحن عبرها الأشواق الإسلامية وتفرغ فيها الطاقات الإرهابية (الجهادية). وأشار الباحث إلى أن القاعدة ترى الرئيس السوداني منحرفاً وفي حاجة إلى التوبة، لما قام به من نكوص عن درب الإسلام وتفريطه في قطعة عزيزة من «أرض دولة الإسلام»، وهي حجة يكثر الترويج لها. ويبدو أن انفصال جنوب السودان في هذا الجو المشحون دينياً وسياسياً، سيجعل منه وقوداً جديدًا للجماعات المسلحة ووليمة جاذبة لتنظيم القاعدة، ما قد يساعد في تنامي التطرف الديني في السودان المتبقي، بحسب الدراسة. وفي ختام دراسته قال الباحث إن ظاهرة التطرف الديني في السودان هي في استشراء وتمدد، وأشار إلى ضرورة الضغط على كل الأطراف في السودان، لتفادي الانفصال الخشن. شارك في كتاب المسبار تسعة كتاب سودانييين، منهم رئيس الوزراء السوداني الأسبق الصادق المهدي، وحاتم السر علي وفتحي الضو ومأمون عثمان وغيرهم، وشارك فيه أيضاً المفكر الموريتاني محمد بن المختار الشنقيطي بدراسة عن «فقه الحركة وفقه الدولة عند إسلاميي السودان». * كاتب سعودي